"الكوشوك".. الإبداع الفلسطيني المتجدد
جهينة نيوز -بلال العبويني
يثبت الشعب الفلسطيني يوميا أن المقاومة إبداع، فما أن يعدموا وسيلة حتى تتفجر طاقاتهم الوطنية غضبا وإبداعا جديدا لم يُسجل في التاريخ لشعب غيرهم، ليؤكدوا على ديمومة صراعهم الوجودي مع الصهاينة، ومقاومتهم لأعتى آلات الحرب المدمرة.
في العام 1987، لم تجد قواميس لغات العالم ترجمة لكلمة "انتفاضة"، فكتبتها بذات اللفظ وبحروفها المختلفة، ليدل المعنى على ذات الحراك الفلسطيني المقاوم والذي لم يمتلك آنذاك إلا الحجر سلاحا أرعب به قوات الاحتلال واستنزف طاقاتهم لحين توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم في العام 1993.
مع انطلاقة الألفية الجديدة، عاد سلاح الحجر ليأخذ مكانه من جديد، وتطور الإبداع الفلسطيني ليجعل المقاومون من أجسادهم قنابل استشهادية وضعت الاحتلال في مأزق ورعب غير مسبوق، فبدا العجز واضحا أمام شعب مُقبل على الشهادة كما يقبل المرءإلى عرسه، فكان السؤال الإسرائيلي "ما العمل الذي يردع شعبا لا يأبه بالموت ولا يقيم له وزنا؟".
إبداع المقاوم الفلسطيني لم يتوقف، ففي العام 2015 كانت انتفاضة الخنجر التي دافع فيها المقدسيون عن مدينتهم المقدسة ضد الاستهداف والاستفزاز الصهيوني، فأدخلت جنود الاحتلال في رعب جديد وهم يتلفتون يمينا ويسارا خشية من ضربة سكين أو طعنة خنجر.
أمس الأول، كان إبداع المقاومة متجليا بـ "جمعة الكوشوك"، عندما أحرق الفلسطينيون عشرات الآلاف من إطارات السيارات على حدود قطاع غزة مع بقية الأراضي المحتلة ليحجبوا الرؤية عن قناصة جنود الاحتلال في ثاني جمعة "مسيرة العودة الكبرى".
في الجمعة الأولى لمسيرة العودة الكبرى، قدم الفلسطينيون في غزة 15 شهيدا وأكثر من 1450 جريحا، وفي "جمعة الكوشوك" قدم الغزيون 8 شهداء و1070 جريحا، وشكل الدخان الأسود سلاحا مهما بالنسبة إليهم بحجبه الرؤية عن قناصة الاحتلال وتوفير الحد الأدنى من الحماية.
الدخان الأسود، كان رعبا جديدا ومستحدثا لم يكن في حسبان المحتلين، بما قد يضفي على المقاومة الفلسطينية من نتائج إيجابية أخرى تتعلق بشعور القناصة بالاختناق والضيق تحديدا بما شكله اتجاه الرياح من عامل مساعد عندما لم يرتد إلى جهة المتظاهرين المقاومين.
هذا الرعب، لم تستطع آلة الحرب الإسرائيلية إلا تشويهه عبر التحذير من تداعياته على البيئة وطبقة الأوزون ليجد العدو من يقف إلى جانبه بتبني التحذير من تداعيات الدخان على صحة الغزيين متناسيا تماما ما يخلفه العدوان الإسرائيلي المتكرر من دمار وآثار بيئية كارثية على كامل القطاع، بل وكامل فلسطين في الضفة الغربية وفي الأرض المحتلة عام 1948 منذ أن وطئت أقدام أول صهيويني أرض فلسطين.
الخوف على البيئة في هذا التوقيت، لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن سياق واحد وهو الاصطفاف إلى جانب العدو الإسرائيلي، والتعبير عن الخوف من آثار الدخان على المستوطنين تحت ستار سكان غزة، لأن من يطلق مثل هذه التحذيرات من غير الإسرائيليين لنا أن نسأله أين كانت تحذيراته من آثار الدمار الذي ما زال ماثلا في غزة على البيئة وصحة الفلسطينيين.
بل لنا أن نسأله، ماذا قدمت للفلسطينيين من أدوات ووسائل صديقة للبيئة ليستخدموها في مقاومتهم الشعبية.
إحراق "الكوشوك"، ليس إلا إبداعا فلسطينيا جديدا، وليس من حق أحد المزاودة على الغزيين وعلى صحتهم فهم راضون بذلك، طالما أن لا أحد جاهزا لمد يد العون إليهم.//