مصر.. تفاصيل مثيرة في قضية مُدعي "الإصابة بالسرطان والإيدز"
-وكالات
شاب مصري برأس حليق وعيون ذابلة، لا تملك إلا التعاطف معه بمجرد أن تطالع صورته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يقول من دون كلام إنه مصاب بالمرض اللعين.
ويطلق هذا الشاب على نفسه لقب "محارب السرطان"، ليحظى بدعم كثيرين منهم: مشاهير وفنانين، لكن مع مرور الوقت، يُفضح أمره، ويعرف الجميع أنه كذّاب، وفعل كل ذلك لهثا وراء الشهرة والمال، فقد ادعى من قبل إصابته بالإيدز.
وأصدرت النيابة العامة المصرية، ليل الأربعاء الخميس، بيانا قالت فيه إن المتهم محمد قمصان تم حبسه أربع أيام على ذمة التحقيقات بعد توجيه اتهامين له.
الأول، نشر أخبار كاذبة، والثاني، النصب بوسيلة احتيالية للاستيلاء على الأموال، وأشارت النيابة إلى اعترافه بفعل ذلك لتحقيق الشهرة وجني المال.
وبدأت قصة قمصان (20 عامًا) تتكشف بداية يناير الجاري، بعد ذيوع صيته على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره أحد محاربي السرطان، ليستحوذ على تعاطف الملايين في مصر وخارجها؛ خاصة بعد نشر الوصية الأخيرة؛ التي أعلن فيها الفشل في مواجهة السرطان؛ موصيًا بدفنه نهارا لأنه يخشى الظلام.
الوصية التي نشرها قمصان فتحت النار عليه، خاصة مع تزايد شكوك كثيرين حول القصة، إذ طالبوه بتقديم الأوراق التي تثبت إصابته بالمرض، ومع اشتداد الحصار اضطر للخروج في بث حي على حسابه بموقع "فيسبوك" يوم 9 يناير الجاري.
وظهر محمد قمصان باكيا منهارا إلى جوار والدته، بينما يمسك في يده بمجموعة من الأشعة والتحاليل، قائلًا بتأثر مفتعل إنها هذه هي أدلة إصابته بالمرض اللعين؛ ردًا على من يدعي غير ذلك.
وبعد تضييق الخناق أكثر على محمد قمصان، ظهر في صورة جديدة على حسابه بموقع فيسبوك مدعيا أنه أصيب بجلطة جراء التشويه الذي يلاحقه، لتكون هذه الصورة هي الأخيرة التي ينشرها الشاب المصري قبل أن تُلقي السلطات المصرية القبض عليه، ويحال للنيابة العامة للتحقيق.
بداية القصة
مجموعة من محاربي السرطان يسيرون على مهل في ممر ببناية النيابة العام بمدينة دسوق (في محافظة كفر الشيخ شمالي مصر)، في حين رأوا شابا مقيدا بالأغلال، بينما يجلس منكسرا مُطأطأ الرأس إلى جوار مكتب وكيل النائب العام، وعندما رآهم أخذ يتوسل إليهم حتى يتراجعوا عن الشهادة ضده في القضية.
هكذا وصفت حنان محمد العزب، مشهد الشاب محمد قمصان بعد القبض عليه، وهي أول من تقدمت ببلاغ رسمي ضده.
وتروي العزب بداية قصة الشاب، لموقع "سكاي نيوز عربية"، فتقول: "أنا ومجموعة من مصابي السرطان تعرفنا إلى بعضنا في الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وأنشأنا مجموعة على فيسبوك، وبدأنا نقوم بعمل أنشطة اجتماعية مختلفة، مثل: تنظيم لقاءات عامة، لدعم بعضنا البعض نفسيا".
وتابعت:" أما قصة محمد قمصان فبدأت معي منذ أربعة سنوات، عندما تواصل معي على حسابي بموقع "فيسبوك"، ليطلب الانضمام لنا باعتباره من مصابي "سرطان الدم"، ورحبت به بالطبع، ولم أشك مطلقًا في إصابته حينها".
وتتابع: "بدأ الشك يتسلل إلينا عندما كان يرفض أن يلتقي بنا في التجمعات التي كنا ننظمها، مدعيا إنشغاله في كل مرة، ثم بدأ الشك يتزايد بداخلنا جميعًا، عندما نشر صورة على مجموعة محاربي السرطان، ادعى أنها ألتقطت له من ظهره بينما يأخذ "جرعة كيماوي"، لكن المفاجأة أن الصورة تعود لطفل اسمه إياد والدته عضوة معنا في المجموعة، وهي من فضحت أمره حينها".
وبرر محمد موقفه من نشر الصورة، لأنها أعجبته، والكلام هنا إلى حنان العزب، التي أشار إلى أن المجموعة بدأت أكثر حذرا في التعامل معه حتى نشر وصيته التي اكتشفت أنه قام بنقلها حرفيًا من حساب آخر يعود لأحد محاربات السرطان تدعى إيمي وقد توفاها الله قبل أيام فقط.
وتقول العزب إن "محمد أذى ناس كتير مننا"، لدرجة أن بعض محاربي السرطان بدأوا في التوقف عن تلقي جرعات العلاج بسبب إعلان فشله في مقاومة المرض، وأنا شخصيا يأست تمامًا خاصة أنه شاب في مقتبل العمر وفشل، فما أدراك بسيدة تبلغ من العمر 54 عاما مثلي".
وأضافت: "وصل الأمر إلى أنه كان ينشر صوراً له بينما يأكل أطباق من الحلوى، ويطلب من متابعيه ألا يلتزموا بالطعام الصحي، وأنه يأكل ما يريد، مما جعل كثيراً من أطفال السرطان المصابين من المتابعين له، يطلبون من أمهاتهم تناول الحلوى مثله".
وتعود السيدة المصرية لكواليس كشف محمد قمصان، "بعدما تزايدت الشكوك، طالبناه بالأوراق والتحاليل التي تثبت إصابته، لكنه كان يرفض، ثم بدأ في التطاول علينا، وخرج في بث مباشر "يُحسبن علينا"، مما جعلنا نقرر أن نتوجه بتحرير بلاغ ضده، بإدعائه الإصابة بالسرطان".
وبحسب العزب، انتفع محمد قمصان من إدعاء إصابته بالمرض، بالحصول على هدايا مختلفة، وتحويل أموال من مصريين في الخارج لدعمه، إضافة إلى أنه كان يعرف من خلالنا أسماء أدوية سرطان الدم ليطلب توفيرها من آخرين، وهي باهظة الثمن.
وتختم حنان العزب حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية": "بعد القبض على محمد، تلقينا استدعاء من النيابة لأخذ أقوالنا، وهناك رأيناه في وضع مزري، وأخذ يطلب مني وهو في حالة إنهيار أن أتنازل عن المحضر، وبكيت أنا أيضا للحال الذي وصل إليه، لكنني لم أتنازل لأن هناك أشخاص كثيرين يقومون بابتزازنا والنصب باسم مرضى السرطان، وهم أصحاء، وهذا هو الموقف الرابع الذي نتعرض له في مجموعة "محاربي مرضى السرطان التي أنشأنها، فكان لابد من وقفة هذه المرة".
إدعاء الإصابة بالإيدز
حنان العزب لم تكن الوحيدة التي تقدمت ببلاغ رسمي في محمد قمصان، لكن هند عجور (35 عامًا)، وتعمل اختصاصية تخاطب، تقدمت هي الأخرى ببلاغ ضد قمصان اتهمته فيه بتهديدها بعدما اكتشفت أمره، بأنه يدعي المرض.
وتقول هند لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنها تعرفت على محمد قمصان في شهر أغسطس الماضي فقط، عندما قام بإرسال طلب صداقة لها على "فيسبوك"، حيث تُقدم نصائح عن التربية الخاصة، إضافة إلى بعض الأنشطة العامة الأخرى.
وتضيف: "بعد قبول إضافته أرسل لي محمد على الفور، يطلب مساعدتي في نشر حالته على حسابي باعتبار أنه من محاربي السرطان ويحتاج إلى الدعم، خاصة أن حسابي به عدد كبير من المتابعين، كما طلب مني أيضًا مساعدته على توثيق حسابه على فيسبوك".
وتردف: "قمت بمساعدته بحسن نية، ولم أشك فيه إطلاقًا، حتى أنني استضفته في برنامج "لايف" اسمه "نموذج مشرف من بلدي" على صفحتي بفيسبوك، لكن أكثر ما لفت نظري، قوله حينها أنه كان معجب بأطفال السرطان من صغره، وهذا ما قاله أيضًا في تحقيقات النيابة".
وتابعت: "ومع ذلك لم ينتابني الشك، حتى أخبرتني مدام حنان العزب بقصة صورة الطفل إياد التي ادعى أنها تعود له، وكان هذا بعض أيام قليلة من معرفتي به".
شكوك اختصاصية التخاطب بدأت تتقاطع مع شكوك محاربي السرطان، خاصة بعد نشر الشاب المدعي وصيته، ليتفقن جميعا على إبلاغه بأن هناك تكريم ودعم مادي لمرضى السرطان، في شهر مارس، وأن المطلوب فقط هو أوراق تثبت الإصابة".
وفي هذا السياق تقول هند عجور: "بدأ محمد في المماطلة بعد طلب الأرواق الرسمية، ومع الضغط عليه، أخبرني أنه مصاب بالإيدز ولا يريد أن يرى أحدا ملفه الطبي، حتى لا يُفضح أمره، لأن هذ المرض له صورة سسيئة في أذهان الناس، ورغم أننا قررنا دعمه إذا صدق ادعائه، لكنه خرج في بث مباشر ليهاجم الجميع".
وتوضح أن بعد مواجهة مدعي الإصابة بالسرطان بكذبه، تطاول عليها في مكالمة هاتفية، وهددها، مما دفعها لتحرير محضر في قسم الشرطة، ذكرت فيه كل ما حدث، ليتواصل معها على إثر ذلك العقيد أحمد سكران، رئيس فرع البحث الجنائي بغرب كفرالشيخ (شمالي مصر) لمتابعة ملف القضية، وبالفعل قُبض عليه وأحيل للنيابة وتم حبسه على ذمة القضية".
عقوبات قاسية تنتظره
المحامي بالنقض، شعبان سعيد، يكشف لموقع "سكاي نيوز عربية" العقوبات المحتمل أن يواجهها محمد قمصان، فيقول إن تهمة النصب بوسيلة احتيالية للاستيلاء على الأموال تنضوي تحت المادة رقم 36 من قانون العقوبات، وهي جنحة نصب تصل مدة الحبس فيها إلى ثلاثة سنوات.
ويضيف: "بخصوص تهمة نشر أخبار كاذبة، فهي جنحة أيضًا، قد تصل عقوبتها إلى ثلاثة سنوات أيضًا، مما يعني أن إجمالي العقوبات التي يواجهها الشاب المدعي قد تصل إلى ست سنوات، مشيرا إلى أنه سيحاكم أمام محكمة الجنح الاقتصادية، نظرا لنشر هذه الجريمة على وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.
ويلفت سعيد إلى أن النيابة العامة المصرية استحدثت مؤخرا "وحدة الرصد والتحليل" وهي مسؤولة عن متابعة كل الجرائم التي تحدث على الإنترنت، إضافة إلى آراء الناس وما يشغل الرأي العام، مؤكدًا أن هدف النيابة في النهاية، هو تحقيق الردع عن طريق الأحكام لمواكبة التطور التكنولوجي.