السعودية في حلتها الجديدة
حسين الجغبير
تتسارع الأحداث في المملكة العربية السعودية، مع اتخاذ ولي عهدها الشاب القوي جملة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والأمنية، حتى الاجتماعية الهادفة إلى مواجهة التحديات المحلية والإقليمية، حيث لا شك أن هذا الرجل يعلم جيدا ماذا يريد، لكن من الواضح أيضا أن تحقيق تطلعاته تجاه بلده تحتاج بداية إلى تحديث مؤسسات الدولة وأساليب الحكم لتتماشى مع التغييرات العالمية.
السعودية باتت تقرأ المشهد بشكل جيد، منذ أن اتخذت أجرأ خطواتها بتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، وهو الشاب في مجتمع فئته الأكبر من الشباب، حيث قرع هذا الأمير جرس الإنذار مبكرا، بتأكيده أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى القيام بعدة ثورات، فعمد إلى تنويع مصادر الدخل بإطلاق مشروع 2030، من ثم مشروع "نيوم" على البحر الأحمر، كما عمد إلى إحداث تغيير في الثقافة المجتمعية، حيث منحت المرأة حقها في قيادة السيارات، وسمح بتنظيم الحفلات الموسيقية، وأن تجول فرق فنية ربوع المملكة، مع العمل بشكل كبير على تغيير النظام التعليمي وأساليب التدريس.
وتوجت التحولات في السعودية بإحداث ثورة على الفساد طالت أمراء ومسؤولين سابقيين من الوزن الثقيل، ما رفع من اسهم ولي العهد شعبيا وسياسيا، على المستويين السعودي والعربي، ليسجل سابقة على جميع الدول العربية الاقتداء بها، فهو مدرك أن اجتثاث الفساد هو أساس طريق الإصلاح وعودة الرياض إلى دفة القيادة العربية والإسلامية، في ظل صراع مع إيران، عقائديا (سنة وشيعة)، وعسكريا (ملفات اليمن ولبنان وسوريا).
خطوات الأمير محمد بن سلمان، التي كانت منتظرة من الشعب السعودي، تعكس رسالة واضحة للرأي العام الغربي بأن مشروعه في تعزيز نظام الشفافية في أجهزة السعودية الإدارية عبر توجيه ضربة قاضية في ملف مكافحة الفساد، وحتى الدينية، عندما تم اعتقال عدد من رجال الدين، في مسعى منه إلى فرض الاعتدال في الطرح والفكر.
لكن على أرض الواقع فإن السرعة المفاجئة في التحولات السعودية، تدفعنا للتوقف جليا قبل فهم الأمور، رغم أن المعطيات تشير إلى أن هناك خطوات قادمة لا محالة، فالقرارات التي تتخذ ما هي إلا قرارات مدروسة ومرتب لها مسبقا، ودليل ذلك أن ساعات قليلة فقط فصلت بين أمر ملكي بتشكيل لجنة لمكافحة الفساد وصدور أول قرارات اللجنة التي يترأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، باعتقال عدد من المتورطين في قضايا فساد.