banner
مقالات مختارة
banner

د. عبدالله الطوالبة يكتب:الديكور رقم 19ومشاركة اليساريين والإسلاميين!

جهينة نيوز -
جهينة نيوز -
الديكور رقم 19ومشاركة
اليساريين والإسلاميين!
د.عبدالله الطوالبة
توقفت نسبة الإقتراع في دائرة عمان الثالثة عند الرقم 11,66%، مقابل 65,74% في دائرة البادية الجنوبية. نختار نسبتي المشاركة هاتين، كمدخل ينطوي على مؤشرات مهمة لمعاينة نتائج انتخابات مجلس النواب التاسع عشر.
النسبة الأولى، هي الأقل على المستوى الوطني فيما يُعرف بدائرة الحيتان، ويتنافس فيها عادة مترشحون من خلفيات برامجية وحزبية، وآخرون "أيديهم مفتوحة" بسخاء في الإنفاق على حملاتهم الإنتخابية. أما النسبة الثانية، فتخص منطقة عشائرية، اعتدنا في الإنتخابات السابقة أن تتراوح نسبة المشاركة فيها بين 80-90% إن لم يكن أكثر. اذن، نحن أمام تراجع شعبي غير مسبوق في المشاركة، حتى في مناطق العشائر. وهذا ما تؤكده أيضاً نسبة الإقتراع العام بواقع 29,9%، كما أعلنتها الجهات الرسمية. وهي النسبة الأدنى في تاريخ الحياة النيابية الأردنية، على الرغم من التمديد لساعتين والاتصال بمن لم يذهبوا إلى مراكز الإقتراع وحثهم على المشاركة بإلحاح:" أنتم لم تنتخبوا بعد، هيا الى الصناديق...".
سنفترص ان نسبة الإقتراع العام المومأ إليها فوق صحيحة، وسنتغاضى عن مترشحين ظهروا صوتاً وصورة في فيديوهات تم تداولها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وقالوا كلاماً يرسم علامات استفهام بخصوص نزاهة الإنتخابات. لكن أهم ما يمكن التقاطه من تدني نسبة المشاركة، هو فقدان الأمل في العملية الإنتخابية وفي مخرجاتها. وكأن الأغلبية توصل رسالة لا تحتاج إلى عبقرية لفك شيفراتها، فحواها أن لا ثقة بمجالس النواب ولا بإمكانية حدوث إصلاح حقيقي. هنا، نعتقد ان على عقل الدولة أن يتأمل الرسالة بإمعان، أولاً، ويقرأها بدل المرة مرتين، ثانياً. فالسياسة الذكية، يُفترص أن تتحاشى إيصال شعبها إلى فقدان الأمل، وإلا فإنها تحكم على نفسها إما بالوصول إلى طريق مسدود او بالإخفاق في سلوك طريق يناسب المرحلة ويواكب مستجداتها. ومن أبرز هذه المستجدات، أن الناس تغيرت وتتغير في عصر الفضاء المفتوح وتدفق المعلومات.
على صعيد النتائج، نرى ان الفائز الأول كان المقاطعة الشعبية للإنتخابات، بناء على نسب المشاركة التي ذكرنا وما يتعلق بها من تفاصيل. أما المستفيد الثاني، فهو العشائرية، وإن بنسب أقل مقارنة بالانتخابات السابقة، كما سبق أن قلنا.
ولنا في العشائرية قول، مبناه أننا نستغرب ممن يأخذون على مجتمعنا تأثير العشائرية فيه، وبخاصة في الإنتخابات. فما درى هؤلاء بأنهم يقدمون أنفسهم كمستشرقين غرباء عن المجتمع الذي إليه ينتمون وفيه يعيشون.
العشيرة فرع القبيلة، والإثنتان مُكَوِّن أساس في البنى المجتمعية العربية. من هنا، تبلور دور القبيلة كمحدد رئيس للعقل السياسي العربي، منذ مئات السنين وما يزال. لا بل إن دورها في هذا السياق، اكثر تأثيراً وأبعد أثراً من دور العقيدة.
لقد تكرس دور القبيلة في تكوين العقل السياسي العربي، منذ أن رفضت قريش في اجتماع سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة النبي، مبدأ تداول السلطة السياسية(الخلافة آنذاك) أو حتى المشاركة فيها. فقد حسم ابو بكر الموقف في رده على الأنصار المطالبين بالخلافة بالقول :"إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش" ٠ وعندما رفع الأنصار غير القرشيين مطلب " منا أمير ومنكم أمير" (لاحظ منا ومنكم)، يرد عمر بن الخطاب بلهجة أقرب الى التهديد :" هيهات هيهات، لا يجتمع سيفان في غمد واحد...". ويغيب عن أذهان الكثيرين أن الخلفاء كلهم، في مراحل الخلافة العربية الإسلامية كافة، بدءاً بأبي بكر وحتى آخر خليفة عباسي قُتِل خلال اجتياح المغول لبغداد عام 1258م، ينتمون إلى فرع عبد مناف القرشي، الذي ينتمي اليه النبي.
وفي الحاضر أيضاً، ما تزال القبيلة محدداً رئيساً للعقل السياسي العربي، في واقع يسيطر فيه نمط الدولة الريعية والأشكال التقليدية ما قبل الرأسمالية في تنظيم الحياة الاقتصادية. فمن طبيعي أمره، أن يحتفظ واقع كهذا بما يُعرف ب"الخلايا الأولية"، بتعبير الدكتور توفيق سلوم. وتتمثل هذه الخلايا، بالبطون والعشائر وما يتصل بذلك من شيوع النزعة الأبوية في معاملة الجماعات والأفراد. ينسحب ذلك على المجتمعات العربية كافة، وإن بنسب متفاوتة.
أما وقد ذكرنا الفائزين في هذه الانتخابات، فحري بنا ان نتطرق إلى الخاسرين، وبخاصة اليساريون والإسلاميون. لا يتوفر لدي معلومات عن أسباب مشاركة اليساريين، لكن مرجعيتهم المعرفية المتميزة بالقراءة العلمية للأحداث والمعززة بتجربة نضالية تاريخية تعمدت بالتضحيات، ربما لم تسعفهم باتخاذ الموقف الأنسب لهم. غاب عن بالهم ان المرحلة ليست مرحلتهم. إنها ليست مرحلة المد اليساري القومي، عندما نجح الأردني المسيحي الشيوعي ابن قرية السماكية في الكرك، يعقوب زيادين، في الإنتخابات النيابية عام 1956 عن محافظة القدس. نحن في مرحلة، الفاعل الرئيس فيها خلال الانتخابات هو "البزنس السياسي" المتحالف مع البرجوازية الطفيلية اللاوطنية. مرحلة المال الأسود واستغلال الفقر والفاقة لشراء الذمم، في واقع ما يزال دور العشائر فيه أكبر من دور الأحزاب والبرامج، يُضاف إلى ذلك تفشي التدين الشعبي الأبله وانتشار الفكر السلفي المتحجِّر.
على صعيد الإسلاميين، أظن ان مشاركتهم قوبلت بالرفض الشعبي وعدم الإستحسان حتى داخل صفوفهم. نقطة ضعف الإسلاميين الرئيسة، التلويح لهم بشيء من كعكة النفوذ واغرائهم بكراسي السلطة تنفيذية كانت أم تشريعية. هذا الإغراء، من شأنه أن يعمي أبصارهم ويشل بصائرهم. ولنا في تجربتهم مع المجلس العسكري في مصر، بعد الإطاحة بحسني مبارك، في شباط عام 2011، مثال فاقع. فقد استثمر الجنرالات في نقطة ضعفهم تلك وأجلسوهم على كرسي الحكم لمدة عام، وما أن تهيأت الظروف حتى قلبوا لهم ظهر المِجَن وتخلصوا من حكمهم، والتفاصيل معروفة. يتغاضى الإسلاميون من أجل تحقيق منافع سياسية عن حقيقة أن الدين الذي بإسمه يمارسون السياسة، تقتضي ألاعيب هذه الأخيرة أحياناً توظيفه لشرعنة قرارات معينة وتوجهات ما.
ويظل الخاسر الأول في هذه الإنتخابات، الأردن. فماذا يُتوقع من مجلس، الخبرات السياسية لدى أعضائه المئة الجدد في حدودها الدنيا، ولا يكاد يُلحظ فيه لأهل الفكر والمثقفين وجود، في مرحلة تُنذر بتحديات سياسية مصيرية؟! وعلى سيرة الأعضاء الجدد، كيف يمكن تفهُّم تغيير وجوه بهذا العدد فجأة؟!
إن القراءة الأولية المتأنية لتركيبة هذا المجلس، لا بد ستلحظ أنه أعجز من القيام بأي دور يبث الأمل في النفوس على صعيد الإصلاح السياسي، وأضعف من أن يرفع بطاقة حمراء في وجه الفساد.
كما أن مجلساً بتركيبته هذه، لن يجرؤ على قول لا لنهب مقدرات الدولة، ونعم لإستعادة أصولها المبيعة. وكيف لمجلس كهذا إذن، أن يجترح حلولاً لمشكلتي الفقر والبطالة ويبدع إجراءات لوقف تراجع اهم قطاعين بالنسبة للأردن، هما التعليم والصحة؟!
أخيراً، نعتقد أن من سيقرأ سطورنا، لربما تقدح في رأسه قولة :"نحن - أي النواب - مجرد ديكور"، خاصة وأن القائل نائب مخضرم ما يزال يحتفظ بمقعده تحت القبة منذ عام 1989، وكان ذات فترة رئيس مجلس نيابي. الفرق فقط، أن الديكور الجديد يحمل الرقم 19.
ونختم بترك فسحة للإحتمالات، من منطلق نسبية الأمور. وعليه، نتساءل: إلى أي حدٍّ سيكون المجلس الجديد هكذا بالفعل، وما نسبة الاحتمال بأن يقلب التوقعات؟
الشهور المقبلة ستروي.
تابعو جهينة نيوز على google news