قصة الكرامة ... مشاهد حية تستحضر نشوة النصر قبل خمسين عاما
بلدة الكرامة – بترا
بين رسالة شهيد، وتضحيات ضباط وجنود الجيش العربي، جاء الاحتفال الوطني بالذكرى الخمسين لمعركة الكرامة الخالدة، ضمن مشاهد حبست الأنفاس لمعركة رجح فيها ميزان العدل وأعادت للأمة كرامتها وبددت مقولة الجيش الذي لا يقهر.
وعلى أرض المعركة عند نهر الأردن، صممت العروض بطريقة مبتكرة تحاكي سيرعمليات المعركة، فكانت الخنداق والحواجز الترابية وشباك التستر، والجنود المنتشرون في مواقعهم، مدججين بقليل من السلاح والكثير من العزم، وأصواتهم تعلو "المنية ولا الدنية".
وبين أبطال الكرامة، جلس القائد الأعلى للقوات المسلحة جلالة الملك عبدالله الثاني، في مشهد يعكس التقدير لهم والاعتزاز ببطولاتهم وتضحياتهم، ووقف جلالته والحضور تكريما لهم ولرفاق السلاح من الشهداء، وفي الأثناء دوت طلقات المدفعية الحادية والعشرين عند الخنادق التي تمترسوا عندها في ذلك اليوم.
وبدت آليات عسكرية أردنية شاركت في المعركة، وأخرى إسرائيلية غُنمت خلالها، جزءا مكملا وأساسيا في ميدان المعركة حيث الاحتفال الذي مزج بين مشاهد تحاكي أحداث المعركة تكملها فيديوهات عرضت على شاشة كبيرة مثلت امتدادا لما يجري على الأرض.
وبدأ العرض الأول للحفل بمشهد يعكس قدرات وقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية، حيث تحلق مجموعة من القادة العسكريين عند خريطة عسكرية، لمناقشة المعلومات التي تم جمعها وكان لها دور أساسي في حسم المعركة.
ووصف الراوي، الذي تولى التعليق على مجريات الحفل هذا المشهد بقوله: "كانت سمرة جباههم تبث الذعر في أعدائنا وتبعث الطمأنينة فينا، كانوا متشحين بالفجر كما جيشنا العربي، هم الذين علمونا مبكرا أن أرض الأردن لا تقبل إلا السادة، وأن الحمى والأطفال والأمهات والشيوخ تحميهم عيون تزنر الوطن عزا وأمنا".
بعد ذلك بدأ مشهد الحشد والتعبئة ووقف قائد ميداني أمام مجموعة من الجنود، ليؤكد لهم أن الحرب باتت وشيكة، وقال: "اليوم يومكم يا النشامى... هذا الأردن برقابنا، إخوانكم وأهلكوا وراكوا.. والعدو قدامكم.. ترا حنا ما نقبل المهانة"، ليأتيه الرد من الجنود "على رقابنا ما يمروا من هان... يا نصر بعون الله، يا شهادة عند الله".
وفي مشهد جسد جوانب من القصص المؤثرة والبطولية للجنود، اختلطت فيها العاطفة مع العزيمة والإرادة، عرض فيديو لجندي يكتب رسالة لابنه، واستذكر خلال كتابته للرسالة داخل خندقه اللحظات الأخيرة التي ودع فيها أسرته قبل التحاقه بكتيبته.
وجاء في الرسالة، التي تم اقتباس مفرداتها من نصوص لرسائل جنود شاركوا في المعركة: "ولدي محمد، أهديك التحية من خندقي والحرب ثار غبارها، لكني أراك أمامي في كل حرف في هذه الرسالة. نحن هنا عند نهر الأردن نحمل السلاح لنصون الأرض والعرض ومصممون على النصر.
تذكر يا ولدي أن الوطن أمانة غالية، فاحمل مشعل الكرامة، وكن متميزا في حياتك وصاحب خلق نبيل وإياك إياك يا ولدي والجبن فإن الجبن مذلة.
كن سنداً وعونا لأمك، وتسلح بالعلم، وأعلم أن وعد الله حق ومصير الحق أن ينتصر على الظلم مهما طال الزمان.
لا تحزن إذا عدت إليك شهيداً، فحبي للدفاع عن الوطن يوازي حبي لك، كن فخوراً بأبيك، واعلم أن مستقبلك أنت وأبناء جيلك لا يمكن أن يزهر الإ بتضحيات الجند حماة الوطن".
وبعد انتهاء الجندي من كتابة الرسالة، بدأت المعركة، حيث قرأ البيان الأول الذي بثته الإذاعة الأردنية حينذاك، فيما عرض على الشاشة مشاهد من سير المعركة.
وأبرز في الحفل مشاهد واقعية لقصص البطولة كانت الأولى لقانص الدروع، حيث تحدث الراوي عن قصة هذا البطل بقوله "ذات يوم، أخبره عمه الذي رباه يتيما، إذا أردت أن تكون من الرجال، فاذهب إلى الجيش....وإن أردت أن تكون ضيفا عند الله فاطلب الشهادة في سبيله".
وتابع "استشهد عمه في فلسطين ليذوق طعم اليتم مرة أخرى، التحق بالجيش... ومع انتهاء دورة قانصي الدروع .. نشبت الحرب، وكانت المواجهة على خط النار، وحمل سلاحه على كتفه يلاحق العدو في معركة تسيّدها سلاح المدفعية وكانت مقبرة لدبابات العدو".
وفي الأثناء تقدم أحد الجنود المرابطين عند المدافع يحمل على كتفه قاذف دروع وهو يتقدم صوب المعتدين هاتفا: "بيني وبين المعتدي ثارين... ثار الوطن وثار عمي اللي رباني...عمي اللي وصاني: أوصيك يا بوي ان شبت النار خلي ضلوعك للكرامة حطبها" ليقصف بعدها مدرعة إسرائيلية ... وهو يردد "الله أكبر".
وفي مشهد آخر عن البطولة أمر ضابط الإحداثيات، الذي كان متواجدا على مقربة من آليات العدو، الجنود بقصف موقعه، حيث دار حوار بينه وبين جنود المدفعية انتهى بقوله: "آليات العدو تتقدم باتجاهنا، أقصفوا موقعي، ليرتقي شهيدا بعد أن نجح في تدمير آليات العدو هو ورفاق السلاح".
وانتهت مشاهد الحفل بتحقيق النصر، حيث كان صوت جلالة المغفور له الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وهو يبث بشرى النصر حين صدم العدو ورد كيده إلى نحره... وكانت نار غضب الأردنيين جحيما ينصب على جيش فر جل جنوده من أرض المعركة، وبدأوا يتوسلون وقف إطلاق النار.
وعرضت على الشاشة صور الشهداء وأسماؤهم، بينما قرأ الراوي وهو يستذكر مناقبهم: "لقد أعدتم صياغة التضاريس والأنواء من أجل الكرامة، كنتم قناديل الضحى، والعطاش للنصر والشهادة، وكنتم نشيد وطن يعرف معنى التحدي، وكان البرق لهيب معركتكم الخالدة، فقولوا لآذار يمدّ جناحيه بين باب الواد والكرامة، وقولوا لجذور الشمس أن تنزرع في الأرض... وسوف ننتصر. ذاك هو الأردن صباح النصر".
وختمت الفعاليات باستعراض جوي للعديد من الطائرت العسكرية، في إشارة إلى التطور الكبير الذي شهدته وتشهده القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي.