banner
مقالات مختارة
banner

"الأستاذة سَمال".. مِثال المَرأة الكازاخية

جهينة نيوز -

قبل تسع سنوات، وبالتحديد في بداية ربيع عام 2011م، توجهت سوياً مع زوجي لزيارة أولى إلى كازاخستان بدعوة رسمية، فلم أزرها قبل ذلك للأسف برغم أنني سوفييتية وروسية كان يُفترض بي أن أكون قد عرفتها عن قُرب لأنها كانت جزءاً عزيزاً من وطني، وما تزال كذلك إلى الآن حاضرة ومزدهرة في عقلي وقلبي، فقيادتها راقية وواعية، وشعبها شقيق ومُحب للآخر، مُنفتح ومتعلم ومثقف وطيب المَعشر، ورفيع الأخلاق وسامٍ مَقامه عبر التاريخ.

آنذاك، في جامعة ليف غوميليوف الشهيرة القائمة منذ عهد بعيد في منطقة غنّاء بالعاصمة الكازاخية "آستانا "، التي تُسمّى الآن "نور سلطان"؛ ألقيت وإلى جانب زوجي القلمي مروان سوداح؛ محاضرات صباحية ومسائية متصلة على أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة في الجامعة. كانت محاضراتنا غاية في التنوع، لكن الأردن سياسةً وسياحةً وثقافةً وحضارةً وفي غيرها من الجوانب، كان العنوان الرئيس فيها ومجال البحث والنقاش المُستفيض.

لقد لمسنا هناك في تلكم الجامعة العريقة وجمهورية كازاخستان الصديقة اهتماماً غير مسبوق بنا وبالأردن الذي تربطه بكازاخستان علاقات إستراتيجية، عززتها عروة وثقى بين القائدين جلالة الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس الأول لكازاخستان نور سلطان نزاربايف، فكان الترحيب بنا شاملاً قلّ نظيره في العالم، رغبةً بعلاقات كازاخية أكثر متانة وأوسع تواصلاً مع الأردن في فضاءات العلوم والثقافة والسياحة وغيرها، مما أبهجنا وأدخل السرور والحُبور إلى قلبينا، لكن الأهم كان ذلكم التواصل الحميمي مابيننا وأساتذة وطلبة الجامعة الذين احتضنونا وسهروا على راحتنا كأبناء لهم، ووفروا لنا فندقاً في شارع اسمه (طه حسين).
البروفيسورة "سمال توليوبايفا" كانت وقتها تترأس قسم الدراسات الشرقية، وهي أستاذة متخصصة في الدراسات العربية، غدت راعيةً ومرافقةً لنا خلال زيارتنا إلى وطنها الجليل وجامعتها العريقة والأبرز. كانت الأخت (سمال توليوبايفا) تشرف على كل صغيرة وكبيرة في شؤوننا، فتعمقت في قلبينا مشاعر السرور والحبور تجاه كازاخستان الصديقة، ولكن الأهم كان النجاح اللحظي في تجسير علاقاتنا مع الجامعة، والتزام الأستاذة (سمال توليوبايفا) بترجمة فورية من الروسية إلى العربية وبالعكس، فلم نكن نتحدث بالروسية فقط، بل وبالعربية أيضاً التي يعرفها الكثير من طلبة "ليف غوميليوف".
لم تنقطع علاقاتنا الطيبة مع كازاخستان ولا مع الجامعة ولا مع ناشطتها البروفيسورة (سمال توليوبايفا)، التي تُعتبر واحدة من أشهر المُستعربين والمختصين الكازاخ بشؤون العربية والعرب و"السياسة الأوسطية"، وهي تعمل في قضايا أخرى عليا في وطنها، وبرغم مشاغلها الضخمة، إلا أنها تواظب يومياً، ولهذه اللحظة، على تدقيق مقالاتي ومقالات زوجي التي تُنشر في وسائل الإعلام والصحافة كونها عالِمة بقواعد الضاد ومُحِبة للعربية بلا حدود.
اللغة العربية الراقية والرفيعة التي تتمتع بها الأخت الكبيرة والباحثة والأخصائية الفذة (سَمَال توليوبايفا)، تؤكد علو كعب الدراسة والتدريس في (ليف غوميليوف)، فهي تتقن العربية بصورة أفضل من عشرات ملايين العرب الذين درجوا على الحديث بما يُسمّى "العربيزي"، وشوّهوا لغتنا الجميلة، وكسّروا أضلاعها، ومرّغوا حروفها في الأوحال، بعيداً عن تقديرها كلغة لها الفضل بما وصلنا إليه من تقدّم ورُقي ومكانة مضيئة في التاريخ وبين الأمم.
للبروفيسورة (سمال توليوبايفا) التي زارت الأردن وأحبته، كل تقديرنا وإعجابنا ومحبتنا التي لا حدود لها، فهي مِثال المرأة الكازاخية المُعَاصِرة، والإنسانة الحكيمة والبسيطة في آن معاً، وإلى لقاءات جديدة معها في الأردن وكازاخستان لمواصلة تعميق العلاقات الإسترايتجية بين بلدينا وشعبينا، ولنقلها بلا توقف إلى صروح أرقى فأرقى.
*كاتبة وإعلامية أردنية/روسية متخصصة بالتاريخ والسياحة المحلية، ورئيسة تحرير جريدة «الملحق الروسي»، في صحيفة «ذا ستار» سابقاً.

تابعو جهينة نيوز على google news