د. عبدالله الطوالبة يكتب:نهاية حزب!
جهينة نيوز -نهاية حزب!
د. عبدالله الطوالبة
منذ إشهار حزب التحالف المدني عام 2018، حرص المؤسسون على إظهار تفرّده بحمل مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية وسيادة القانون وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص. ولا ننسى التأكيد على احترام حقوق الإنسان والتعددية والتنوع. وشغلت قضايا الحريات واحترام الأديان وعدم تدخل الدين في السياسة حيّزا مهما في خطاب الحزب. وكان لافتا للاعلاميين واللغويين بخاصة، صياغة هذه المصطلحات والتعابير بجمل قصيرة مركزة. وهو أسلوب لغوي، يتغيّا التغيير الشامل من خلال إحداث أثر في نفس متلقي الرسالة.
واذا ما أضفنا إلى هذا كله الحماس المرافق لعملية الإشهار، بدأ
الحزب للمراقبين انعطافة نوعية في العمل الحزبي الأردني، على صعيدي المضمون وآليات الأداء.
لكن وبقدر التوقعات العالية المستبشرة بولادة الحزب، جاء ثِقَل وقع المفاجأة بانفراط عقد الحزب خلال أقل من عامين.
بطبيعي الأمر، فإن السؤال الذي يفرض نفسه في حالة كهذه، هو ما السبب، ولماذا انقصف عمر الحزب بهذه السرعة؟! فلم يكد الحزب يبدأ مسيرته، حتى بدأت الانشقاقات فيه والانسحابات منه.
في البحث عن الأسباب، فإننا واجدو مفاتيحها الأولى في كتاب استقالة الدكتور مروان المعشر، أحد أهم المؤسسين وأصحاب الفكرة.
لعل اول ما يشد الإنتباه، إشارة المعشر إلى "التدخلات السافرة" في شؤون الحزب. لم يفصح المعشر عن مصدر هذه التدخلات، فذكرها على أطلاقها مراهنا، كما يبدو، على أن "اللبيب من الإشارة يفهم". لكن الأهم في سياق موضوعنا، قول المعشر "ان بعض قوى التغيير داخل الحزب غير متوافقة ولا منسجمة ولا تتعامل بشفافية وبثقافة تعاونية مدنية ديمقراطية بناءة". ولا يمكن اغفال إشارة الرجل إلى أن سبب مغادرته الحزب يعود إلى "عدم التوافق في الآراء بين الأعضاء". وما يستدعي الاهتمام أيضا، تضمين كتاب الاستقالة كلاما عن "الجهل السياسي". أسباب تتكفل ببيان نفسها بنفسها دون حاجة إلى مزيد بيان. لكننا نكتفي بالاشارة إلى أن ما اقتبسنا من نص استقالة اهم مؤسسي الحزب، يقع على طرف نقيض لأهداف الحزب التي بدأنا بها. وهي أهداف بطبيعي أمرها، يلزم لتحقيقها توافر شروط عدة، اهمها اثنان: العمل الجماعي اولا، ثم الوعي والنضوج الفكري المقترنين بحد معقول من التوافق في الآراء داخل الحزب، ثانيا.
اذن، بمقدورنا القول إن الحزب وُلد ولادة غير طبيعية، لا تؤهله لتنفيذ أهدافه المعلنة، ولا تضمن تأمينه بأكسجين البقاء. وبإمكاننا الاستنتاج، ان الحزب قام على اساس العلاقات الشخصية والتقارب الاجتماعي بين المؤسسين. ولنا ان نضيف أيضا، أن نشأة الحزب يشوبها عيب الافتقار إلى نخبة تتحلى برؤية سياسية وفكرية جامعة ولديها الاستعداد الكافي لخوض معارك فكرية وسجالات سياسية في سبيل نشرها وزيادة أعداد المقتنعين بها. وعليه، لا غرابة أن يبدأ الحزب بدفقة حماسية وينتهي بفقاعة فجائعية.
وهناك سبب آخر لبداية تلاشي الحزب بهذه السرعة، نلحظه من النظر في أسماء المؤسسين. فأول ما تستحضره الأذهان، هو رصيدهم من "النعومة المخملية"، الذي يشكل حاجزا نفسيا بينهم وبين أكثرية الأردنيين، بمن فيهم ذوو المصالح بالدعوة لدولة مدنية ديمقراطية. فكم يبدو صعبا التعامل مع التساؤل الحاضر دائما في الوعي العام: هل يمكن لمن كان "سلطويا" في الأمس القريب ان يتحول إلى إصلاحي بين ليلة وضحاها؟!
وفي هذا التساؤل، ثمة ما هو مُضْمر في المخيال الشعبي، فحواه، ان قيم العدالة وتكافؤ الفرص، التي يدعو لها هؤلاء، لو كانت تتنفس في واقعنا وتسير على قدمين، لما كان بوسعهم الجلوس على كراسي المسؤولية اصلا.
ويأخذنا تعبير النعومة المخملية، الذي ما نزال في إطاره، باتجاه يضيف سببا آخر لسرعة تفكك حزب التحالف المدني، يتعلق هذه المرة بالصفات الشخصية للقائمين على الحزب. نقول ذلك منطلقين من أن في مجتمعنا الأردني، كما هو الحال في سائر المجتمعات العربية والإسلامية، أعداء للدولة المدنية يرون في الديمقراطية "بدعة غربية" وفي العالمانية "رجسا من عمل الشيطان". هؤلاء يتوفرون على كم رهيب من الخشونة الصقورية، ناهيك بجمهور من المؤيدين لا يقل شراسة عنهم. ولا شك أن مقارعة هؤلاء بأساليب ال"تشكليتس" غير ممكنة.
تاسيسا على ما تقدم، نختم بالتاكيد على نُبل الأهداف، لكن الحزب الذي تبناها لم يعرف كيف يكون حزبا !