مروان العمد يكتب: هل هم معارضة ام أصوات صهيونية؟
جهينة نيوز -من الملاحظ انه وعندما يجري الحديث عن صفقة القرن وحل الدولة الواحدة أو الدولتين أو عن الإجراءات التي يقوم بها الكيان الصهيوني لضم مناطق من الضفة الغربية بناء على الوعد الترامبوي لهذا الكيان ، هو قيام بعض المعلقين وكتبة المقالات والمغردين الأردنيين وان كانو يمثلون القلة ، بتناول هذا الموضوع من زاوية غريبة يتفقون فيها حول الجوهر ويختلفون في بعض التفاصيل .
حيث يتم وصف الاْردن من قبل هذه المجموعة بأنه ومنذ قيام الدولة الأردنية عام ١٩٢٠ فأنه تم إقامتها كدولة اعتمادية تعيش على ما تتلقاه من مساعدات خارجية دون تمكينها من الاستفادة من خيراتها وثرواتها الداخلية واستثمارها وذلك لإبقائها كياناً ضعيفًا يعيش على هذه المساعدات . وان الدولة الاردنية اقيمت لتقوم بدور وظيفي وكجزء من منظومة الأمن الاستراتيجي لإسرائيل ، ولكي تقوم بتوفير هذا الأمن لهذا الكيان وحماية حدوده ، وليكون مستوعباً للمهاجرين من مختلف دول العالم وعلى الأخص من الفلسطينيين عندما يتم ترحيلهم اليه ليكون هو الوطن البديل لهم . وأن الاردن يستمد شرعيته من خلال هذا الدور الوظيفي الذي يقوم به .
وهم يقولون ان على النظام السياسي ان يعي ان بقاءه مرهوناً بما يستمده من هذا الدور الوظيفي وان هذا الدور الوظيفي يكاد ان ينتهي مع استكمال السيطرة الصهيونية على كامل الضفة الغربية . وهم يصفون الوحدة ما بين الضفة الغربية والشرقية بأنه احتلال اردني لها للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية وان هذا تم بالتعاون مع الحركة الصهيونية . ويقولون ان وعد بلفور بإقامة دولة لليهود يشمل الضفة الشرقية والغربية من نهر الاردن . وان احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية عام 1967كان الخطوة الثانية في تشكيل هذه الدولة ، فيما يعتبرون ان ضم المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية ومنطقة الاغوار وشمالي البحر الميت المزمع تنفيذه لهذا الكيان هو خطوة على هذا الطريق، والذي سيكتمل بضم جميع أنحاء الضفة الغربية لهذا الكيان ، ليتم بعد ذلك ترحيل الفلسطينين إلى شرقي الاردن ليكون وطناً بديلا لهم ، ثم الانتقال إلى الخطوة الثالثة والتي ستكون ضم الدولة الاردنية للكيان الصهيوني استكمالاً لتنفيذ وعد بلفور ، وترك الأردنيين يبحثون عن وطن بديل لهم خارج حدود الاردن .
وعن موقف الاردن الرسمي المعارض لصفقة القرن واية إجراءات صهيونية احادية فأنهم يشككون بجدية هذا الموقف ويدّعون ان ما يرفضه الاردن بالعلن يوافق عليه بالسر
وهم في أقوالهم هذه يتجاهلون الحقائق التاريخية والوقائع التي جرت على الأرض،
وفي معرض ردي على هذه الأقوال فأنني سوف استعرض حقائق الأمور والوقائع التي تتعلق بفلسطين والأردن منذ بداية الحرب العالمية الاولى وحتى الآن
وأول هذه الحقائق ان اتفاقية سايكس بيكو وهي اتفاقية سرية عقدت بين بريطانيا وفرنسا وبمباركة الامبراطورية الروسية وايطاليا وتم
توقيعها في الثالث من كانون الثاني عام ١٩١٦ كان الهدف منها اقتسام منطقة الهلال الخصيب مابين بريطانيا وفرنسا على ان تشمل السيطرة الفرنسية منطقة الدولة السورية الحالية ولبنان وأجزاء من شمال العراق والسيطرة البريطانية تشمل باقي المناطق العراقية وفلسطين وشرقي الاردن .
وثاني هذه الحقائق يتعلق بهذا الوعد والذي جاء نتيجة جهود حثيثة من قبل الحركة الصهيونية مع بريطانيا الدولة التي ستفرض انتدابها على فلسطين بموجب اتفاقية سايكس بيكو والتي أسفرت عن قيام وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور وبتاريخ 2 / 11 /1917 بتوجيه رسالة إلى اللورد ليونيل روتشيلد تنص على ( ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي . وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على ان يفهم جلياً انه لن يؤتى بعمل من شأنه ان ينقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر ) . ومع تسليمي بعدم شرعية وقانونية هذا الوعد وأنه اعطي ممن لا يملك لمن لا يستحق ، الا ان النص لا يشير الى إقامة دولة لليهود في فلسطين كلها ولكن إقامة مقام لهم فيها ، وان هذا النص لا يشير إلى انه سيتم إقامته على كامل الأراضي الفلسطينية وإنما في فلسطين ويمكن ان يعني ذلك في قسم من فلسطين وليس في كلها .
وثالث هذه الحقائق مستمد من تقرير لجنة بيل التي شكلتها الحكومة البريطانية عام ١٩٣٧ لوضع حد للقتال بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين وإيجاد حل للمشكلة التي نتجت عن وعد بلفور وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين من قبل بريطانيا دولة الانتداب وصاحبة هذا الوعد ، والتي خرجت بتوصيات بأنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين الاولى يهودية وتضم القسم الشمالي والغربي من فلسطين وتمتد على الساحل من حدود لبنان إلى جنوبي يافا وتشمل عكا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة وتل ابيب .
والثانية دولة عربية وتشمل القسم الجنوبي الشرقي من فلسطين ويتم ضمها للأردن والذي ورد نص بخصوصه في تقرير بيل بأن قرار صك الانتداب المتعلق بالوطن القومي اليهودي لا يسري على شرق الاردن ( وسيكون لي عودة لهذه الفقرة فيما بعد ) . كما تضمن تقرير بيل والذي تم اعتماده من قبل الحكومة البريطانية بأن تبقى الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم تحت الانتداب البريطاني . وهذا يعني ان بريطانيا صاحبة وعد بلفور لا تعتبر شرقي الاردن مشمولاً بهذا الوعد كما ان هذا الوعد لا يشمل جميع الأراضي الفلسطينية بدليل موافقتها على قيام دولة عربية على قسم من فلسطين .
ورابع هذه الحقائق هو قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الجمعية العمومية لهيئة الامم المتحدة رقم 181 والصادر في 28 من شهر تشرين الثاني عام 1947 والقاضي بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وتشمل 42 % من فلسطين . ودولة يهودية وتشمل 57 % منها . على ان تبقى القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة لهما تحت وصاية دولية . وقد قررت بريطانيا الامتناع عن التصويت على هذا القرار بأعتبارها دولة الانتداب . وهذا دليل آخر على ان وعد بلفور لا يشمل كل الأراضي الفلسطينية من وجهة نظر الدولة التي اصدرته ومن وجهة نظر المجتمع الدولي .
صحيح ان منطق القوة فرض نفسه في النهاية وتم اعلان إقامة دولة الكيان الصهيوني وعلى نسبة 79 % من فلسطين من قبل مجموعة من قيادات الحركة الصهيونية وذلك بتاريخ 14 / 5 / 1948 وبنفس يوم انسحاب قوات الانتداب البريطاني من فلسطين . وقد اعترفت بها بعد دقائق من إعلانها روسيا ومملكة إيران ثم تبعتهما عدة دول أخرى ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية .
وقد تقدم هذا الكيان بطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن الا انه لم يحصل على موافقته على ذلك وتم احالة الطلب للهيئة العامة للأمم المتحدة والتي ونتيجة للضغوط التي مارسها الرئيس الامريكي آنذاك هاري ترومان على أعضائها اتخذت قرارها رقم 273 تاريخ 11 / 5 / 1949 بالموافقة على طلب هذه الدولة الغير شرعية كعضو في هيئة الأمم المتحدة بموافقة 23 دولة ورفض 11 دولة على شرط ان تتعهد بتطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين المشار اليه والقرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11 / 12 / 1948 المتعلق بضمان حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وتقرير وضع القدس بحيث يؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين ، وهذا ما لم يحدث حتى الآن . وبقي من الاراضي الفلسطينية ما اطلق عليه اسم الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى نسبة 21 % من الاراضي الفلسطينية إلى ان تمت الوحدة ما بين الضفة الغربية ومملكة شرق الاْردن بتاريخ 24 نيسان عام 1950 وقد اعترفت المملكة المتحدة البريطانية بهذه الوحدة وهذا دليل آخر ان دولة وعد بلفور لا تعتبر الضفة الغربية مشمولة بهذا الوعد ، فيما بقي قطاع غزة تحت الإدارة المصرية . علماً ان قرار التقسيم هذا كان يتحدث عن فلسطين وقد تم ترسيم الدولتين اليهودية والعربية ضمن الأراضي الفلسطينية ولم يرد ذكر لشرق الاردن واراضيه في هذا القرار .
وخامس هذه الحقائق يتعلق بمؤتمر سان ريمو الذي عقد في إيطاليا على اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء وهزيمة الدولة العثمانية . وقد عقد هذا الاجتماع بالفترة من 19 الى25 من شهر نيسان عام 1920 بمشاركة عدد من الدول وهي المملكة المتحدة ومثلها رئيس وزرائها جورج لويد ، وفرنسا ومثلها رئيس وزرائها ألكسندر ميلران وإيطاليا ومثلها رئيس وزرائها فرانسيسكو ساڤريو نيتي بالإضافة الى ممثلين عن بلجيكا واليابان واليونان وبحضور وفد يهودي مكون من حاييم وايزمان وناحوم سوكولوڤ وهربرت صموئيل ،كما حضره وزير خارجية بريطانيا بلفور بالرغم من اعتراض فرنسا على دمج وعد بلفور في هذا المؤتمر وذلك لبحث شروط الحلفاء للصلح مع تركيا وتقاسم المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية بينها . وسوف اقصر حديثي عما تم الاتفاق عليه في هذا المؤتمر فيما يتعلق بمنطقة الهلال الخصيب حيث تمت عملية اعادة التقسيمات والانتدابات لهذه المنطقة حسب مصالح الحلفاء بحيث قسمت سورية الكبرى إلى اربعة أقسام وهي سورية ولبنان وفلسطين والأردن . وتم وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وفلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني بالإضافة للعراق مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور .
وقد اثارت هذه الاتفاقية مخاوف عشائر شرق الاردن من شمول مناطقهم في وعد بلفور وقد تحركت هذه العشائر في اتجاهين ، الاول لمساندة الأشقاء الفلسطينين في كفاحهم ضد سلطات الانتداب والمخططات الصهيونية وبنفس الوقت حماية مناطقهم من الأطماع الصهيونية . ولذلك وفي 2 / 9 / 1920 اجتمع رؤساء القبائل الاردنية في منطقة ام قيس مع بعض الضباط البريطانيين وقدموا لهم مذكرة خطية بمطالبهم واهمها إقامة حكومة وطنية تضم لوائي الكرك والسلط وقضائي جرش وعجلون ومجمل اراضي المملكة الاردنية الحالية . وان يترأس هذه الحكومة امير عربي وان لا تكون لها علاقة بحكومة فلسطين البريطانية وان يتم منع الهجرة اليهودية إلى أراضيها وان
يتم منع بيع أراضيها لليهود . وان يكون لها جيش وطني تدعمه بريطانيا بالسلاح وان يكون لها تمثيل خارجي كامل كدولة مستقلة .
وعلى اثر ذلك وعدت الإدارة البريطانية الأهالي بإدارة محلية منفصلة عن فلسطين وغير مشمولة بوعد بلفور وإمكانية تعين احد ابناء الشريف الحسين بن على حاكماً على هذه المنطقة . وعلى اثر ذلك خاطب زعماء الاردن الشريف الحسين بن على لإرسال ابنه الأمير عبدالله الى الاردن والذي وصل إلى معان بتاريخ 21 / 11 / 1920 حيث استقبله شيوخ وزعماء العشائر الاردنية وقاموا بمبايعته كزعيم وأمير لشرق الاردن . وعندما استقر له المقام في الاردن أخذ يطالب بأن يتم اعلان استقلال فلسطين والأردن تحت إمارته . وعلى اثر ذلك عقدت اجتماعات في القدس مابين الأمير عبدالله بن الحسين و وزير المستعمرات البريطاني في ذلك الوقت ونستون تشيرشل وبحضور المندوب السامي البريطاني في فلسطين الصهيوني هيربرت صموئيل وذلك في الفترة من 28 إلى 30 من آذار عام 1921 وأسفرت هذه الاجتماعات عن الاتفاق على تأسيس أمارة شرق الاردن وان يكون عبدالله بن الحسين أميراً عليها وان يتم تشكل حكومة وطنية لهذه الإمارة ، وان تكون هذه الحكومة مستقلة استقلالاً تاما ، وان تساعد بريطانيا هذه الحكومة مالياً لتشكيل قوة عسكرية غايتها حفظ الأمن في المنطقة ، وان تسترشد هذه الحكومة برأي مندوب بريطاني مقيم في عمان وبذلك تكون الحكومة البريطانية قد وافقت على الفصل التام ما بين فلسطين وشرقي الاردن وذلك بعد ان كانت الحكومة البريطانية قد استثنت شرقي الاْردن من وعد بلفور سابقاً . وقد حاولت الوكالة اليهودية بالتعاون مع المندوب السامي البريطاني في فلسطين الصهيوني هيربرت صموئيل الضغط على الحكومة البريطانية للتراجع عن هذا الاتفاق وان يشمل وعد بلفور شرقي الاردن على أساس انه وفلسطين قد تم اخضاعهما لإدارة بريطانية مشتركة من خلال مؤتمر سان ريمو ، ولكن الإدارة البريطانية رفضت ذلك وأصرت على تنفيذ اتفاقها مع الأمير عبد الله .
وهكذا تأسست إمارة شرق الاْردن وشكلت اول حكومة أردنية بعد عودة الأمير عبدالله من القدس وذلك بتاريخ 11 / 4 / 1921 برآسة السياسي اللبناني الدرزي الأصل رشيد طليع .
وفي تاريخ 15 / 5 / 1923 أقيم حفل رسمي للاحتفال بمناسبة بدء عهد إمارة شرقي الاردن وإعلان الاستقلال الذي اطلق عليه فيما بعد الاستقلال الأول ،شارك فيه رجالات من الاردن وفلسطين وشارك فيه السير هيربرت صموئيل والجنرال كلايتون عن الحكومة البريطانية .
وسادس هذه الحقائق نعود بها إلى تقرير لجنة بيل والتي تحدثنا عنها والتي تضمنت فصلاً عن شرق الاردن وهو الحادي عشر ونصه ( ان مواد صك الانتداب المتعلق بالوطن القومي لليهود لا تسري على شرق الاردن واحتمال توسيع الوطن القومي عن طريق هجرة اليهود الى شرق الاردن يتوقف على افتراض وجود الوفاق بين اليهود والعرب على ذلك ، غير ان مقاومة العرب للهجرة اليهودية ليست اقل شدة في شرق الاردن منها في فلسطين ولا يسع حكومة شرق الاردن الا ان ترفض تشجيع الهجرة اليهودية إزاء المقاومة الشعبية التي تجابه تلك الهجرة )
وهذه الفقرة من تقرير لجنة بل تثبت ان شرقي الاردن كان خارج وعد بلفور منذ البداية .
وسابع هذه الحقائق تعود إلى تاريخ 2 / 2 / 1946 حين سافر الأمير عبد الله إلى بريطانيا وكان يرافقه رئيس الوزراء ابراهيم هاشم لإجراء مباحثات مع الحكومة البريطانية من اجل حصول الاردن على الاستقلال التام وانتهت هذه المباحثات بتاريخ 22 / 3 / 1946 بتوقيع الطرفين على معاهدة الصداقة الاردنية البريطانية والتي وقعها عن الاردن رئيس الوزراء ابراهيم هاشم . واعلنت الحكومة البريطانية انتهاء الانتداب وتم الإعلان عن قيام المملكة الاردنية الهاشمية كدولة مستقلة ذات سياده . ( وان تضمنت المعاهدة في حينها بعض القيود المجحفة على الاْردن وخاصة في النواحي العسكرية ) . وبتاريخ 25 /5 / 1946 وافقت الأمم المتحدة على الاعتراف بالأردن كدولة مستقلة ذات سيادة وأعلن البرلمان الأردني عبدالله الأول ملكاً عليها ، وتم تعديل القانون الأساسي ( الدستور ) بما يتناسب مع ذلك .
وثامن هذه الحقائق تعود إلى عام 1950 حيث تم تحقيق الوحدة ما بين الضفة الغربية ومملكة الاْردن تحت اسم المملكة الاردنية الهاشمية وتم منح الجنسية الاردنية لسكان الضفة الغربية وقد اعترفت المملكة المتحدة والولايات المتحدة الاميركية بهذا الضم . وبتاريخ 28 / 2 / 1956 أعلن جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال تعريب الجيش العربي وطرد الضباط الإنكليز منه وكان هذا الإجراء مقدمة لالغاء معاهدة عام 1946 والذي تم بتاريخ 29 / 10 / 1956 وفي عهد حكومة سليمان النابلسي .
هذه هي الحقائق التاريخية والاتفاقات الدولية والتي لا يشير احدها على ان الأراضي الاردنية مشمولة بوعد بلفور وحتى انها لا تشير إلى ان وعد بلفور يشمل كل الاراضي الفلسطينية وان هذه الفكرة لا توجد الا في ذهن أهداف الحركة الصهيونية المتطرفة وفي ذهن بعض المعلقين والمغردين الأردنيين الذين تعرضت لهم في بداية مقالتي والتي ويا للمصادفة لا تنطلق تعليقاتهم وتغريداتهم هذه الا في الوقت التي تشتد بها الحملات الصهيونية على الاردن وفي الوقت الذي ينشط فيه المتطرفين الصهاينة برفع شعاراتهم وخرائطهم لما يدعون انه وطنهم الذي يشمل كامل اراضي الاردن وفلسطين وفي وسطهما بندقية مما يشير إلى ان هذا الأمر سيتم تطبيقه بالقوة العسكرية . ولا تظهر الا في الأوقات التي يعلن فيها الاردن عن عن ثوابته بالنسبة لهذا الموضوع ورفضه وتصديه للاطماع والمخططات الصهيونية ، وفي الوقت الذي يشن غلاة الصهاينة أمثال أيلي كوهين هجماتهم على جلالة الملك عبد الله ابن الحسين نتيجة مواقفه هذه . وبنفس الوقت فأن هذه الأقلام تبشرنا بربيع اردني جديد قادم بعد فشل ربيعهم السابق واندحاره ولكن يبدوا ان ربيعهم هذا سيكون في انفاس صهيونية .
حيث يتم وصف الاْردن من قبل هذه المجموعة بأنه ومنذ قيام الدولة الأردنية عام ١٩٢٠ فأنه تم إقامتها كدولة اعتمادية تعيش على ما تتلقاه من مساعدات خارجية دون تمكينها من الاستفادة من خيراتها وثرواتها الداخلية واستثمارها وذلك لإبقائها كياناً ضعيفًا يعيش على هذه المساعدات . وان الدولة الاردنية اقيمت لتقوم بدور وظيفي وكجزء من منظومة الأمن الاستراتيجي لإسرائيل ، ولكي تقوم بتوفير هذا الأمن لهذا الكيان وحماية حدوده ، وليكون مستوعباً للمهاجرين من مختلف دول العالم وعلى الأخص من الفلسطينيين عندما يتم ترحيلهم اليه ليكون هو الوطن البديل لهم . وأن الاردن يستمد شرعيته من خلال هذا الدور الوظيفي الذي يقوم به .
وهم يقولون ان على النظام السياسي ان يعي ان بقاءه مرهوناً بما يستمده من هذا الدور الوظيفي وان هذا الدور الوظيفي يكاد ان ينتهي مع استكمال السيطرة الصهيونية على كامل الضفة الغربية . وهم يصفون الوحدة ما بين الضفة الغربية والشرقية بأنه احتلال اردني لها للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية وان هذا تم بالتعاون مع الحركة الصهيونية . ويقولون ان وعد بلفور بإقامة دولة لليهود يشمل الضفة الشرقية والغربية من نهر الاردن . وان احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية عام 1967كان الخطوة الثانية في تشكيل هذه الدولة ، فيما يعتبرون ان ضم المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية ومنطقة الاغوار وشمالي البحر الميت المزمع تنفيذه لهذا الكيان هو خطوة على هذا الطريق، والذي سيكتمل بضم جميع أنحاء الضفة الغربية لهذا الكيان ، ليتم بعد ذلك ترحيل الفلسطينين إلى شرقي الاردن ليكون وطناً بديلا لهم ، ثم الانتقال إلى الخطوة الثالثة والتي ستكون ضم الدولة الاردنية للكيان الصهيوني استكمالاً لتنفيذ وعد بلفور ، وترك الأردنيين يبحثون عن وطن بديل لهم خارج حدود الاردن .
وعن موقف الاردن الرسمي المعارض لصفقة القرن واية إجراءات صهيونية احادية فأنهم يشككون بجدية هذا الموقف ويدّعون ان ما يرفضه الاردن بالعلن يوافق عليه بالسر
وهم في أقوالهم هذه يتجاهلون الحقائق التاريخية والوقائع التي جرت على الأرض،
وفي معرض ردي على هذه الأقوال فأنني سوف استعرض حقائق الأمور والوقائع التي تتعلق بفلسطين والأردن منذ بداية الحرب العالمية الاولى وحتى الآن
وأول هذه الحقائق ان اتفاقية سايكس بيكو وهي اتفاقية سرية عقدت بين بريطانيا وفرنسا وبمباركة الامبراطورية الروسية وايطاليا وتم
توقيعها في الثالث من كانون الثاني عام ١٩١٦ كان الهدف منها اقتسام منطقة الهلال الخصيب مابين بريطانيا وفرنسا على ان تشمل السيطرة الفرنسية منطقة الدولة السورية الحالية ولبنان وأجزاء من شمال العراق والسيطرة البريطانية تشمل باقي المناطق العراقية وفلسطين وشرقي الاردن .
وثاني هذه الحقائق يتعلق بهذا الوعد والذي جاء نتيجة جهود حثيثة من قبل الحركة الصهيونية مع بريطانيا الدولة التي ستفرض انتدابها على فلسطين بموجب اتفاقية سايكس بيكو والتي أسفرت عن قيام وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور وبتاريخ 2 / 11 /1917 بتوجيه رسالة إلى اللورد ليونيل روتشيلد تنص على ( ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي . وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على ان يفهم جلياً انه لن يؤتى بعمل من شأنه ان ينقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر ) . ومع تسليمي بعدم شرعية وقانونية هذا الوعد وأنه اعطي ممن لا يملك لمن لا يستحق ، الا ان النص لا يشير الى إقامة دولة لليهود في فلسطين كلها ولكن إقامة مقام لهم فيها ، وان هذا النص لا يشير إلى انه سيتم إقامته على كامل الأراضي الفلسطينية وإنما في فلسطين ويمكن ان يعني ذلك في قسم من فلسطين وليس في كلها .
وثالث هذه الحقائق مستمد من تقرير لجنة بيل التي شكلتها الحكومة البريطانية عام ١٩٣٧ لوضع حد للقتال بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين وإيجاد حل للمشكلة التي نتجت عن وعد بلفور وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين من قبل بريطانيا دولة الانتداب وصاحبة هذا الوعد ، والتي خرجت بتوصيات بأنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين الاولى يهودية وتضم القسم الشمالي والغربي من فلسطين وتمتد على الساحل من حدود لبنان إلى جنوبي يافا وتشمل عكا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة وتل ابيب .
والثانية دولة عربية وتشمل القسم الجنوبي الشرقي من فلسطين ويتم ضمها للأردن والذي ورد نص بخصوصه في تقرير بيل بأن قرار صك الانتداب المتعلق بالوطن القومي اليهودي لا يسري على شرق الاردن ( وسيكون لي عودة لهذه الفقرة فيما بعد ) . كما تضمن تقرير بيل والذي تم اعتماده من قبل الحكومة البريطانية بأن تبقى الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم تحت الانتداب البريطاني . وهذا يعني ان بريطانيا صاحبة وعد بلفور لا تعتبر شرقي الاردن مشمولاً بهذا الوعد كما ان هذا الوعد لا يشمل جميع الأراضي الفلسطينية بدليل موافقتها على قيام دولة عربية على قسم من فلسطين .
ورابع هذه الحقائق هو قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الجمعية العمومية لهيئة الامم المتحدة رقم 181 والصادر في 28 من شهر تشرين الثاني عام 1947 والقاضي بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وتشمل 42 % من فلسطين . ودولة يهودية وتشمل 57 % منها . على ان تبقى القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة لهما تحت وصاية دولية . وقد قررت بريطانيا الامتناع عن التصويت على هذا القرار بأعتبارها دولة الانتداب . وهذا دليل آخر على ان وعد بلفور لا يشمل كل الأراضي الفلسطينية من وجهة نظر الدولة التي اصدرته ومن وجهة نظر المجتمع الدولي .
صحيح ان منطق القوة فرض نفسه في النهاية وتم اعلان إقامة دولة الكيان الصهيوني وعلى نسبة 79 % من فلسطين من قبل مجموعة من قيادات الحركة الصهيونية وذلك بتاريخ 14 / 5 / 1948 وبنفس يوم انسحاب قوات الانتداب البريطاني من فلسطين . وقد اعترفت بها بعد دقائق من إعلانها روسيا ومملكة إيران ثم تبعتهما عدة دول أخرى ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية .
وقد تقدم هذا الكيان بطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن الا انه لم يحصل على موافقته على ذلك وتم احالة الطلب للهيئة العامة للأمم المتحدة والتي ونتيجة للضغوط التي مارسها الرئيس الامريكي آنذاك هاري ترومان على أعضائها اتخذت قرارها رقم 273 تاريخ 11 / 5 / 1949 بالموافقة على طلب هذه الدولة الغير شرعية كعضو في هيئة الأمم المتحدة بموافقة 23 دولة ورفض 11 دولة على شرط ان تتعهد بتطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين المشار اليه والقرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11 / 12 / 1948 المتعلق بضمان حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وتقرير وضع القدس بحيث يؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين ، وهذا ما لم يحدث حتى الآن . وبقي من الاراضي الفلسطينية ما اطلق عليه اسم الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى نسبة 21 % من الاراضي الفلسطينية إلى ان تمت الوحدة ما بين الضفة الغربية ومملكة شرق الاْردن بتاريخ 24 نيسان عام 1950 وقد اعترفت المملكة المتحدة البريطانية بهذه الوحدة وهذا دليل آخر ان دولة وعد بلفور لا تعتبر الضفة الغربية مشمولة بهذا الوعد ، فيما بقي قطاع غزة تحت الإدارة المصرية . علماً ان قرار التقسيم هذا كان يتحدث عن فلسطين وقد تم ترسيم الدولتين اليهودية والعربية ضمن الأراضي الفلسطينية ولم يرد ذكر لشرق الاردن واراضيه في هذا القرار .
وخامس هذه الحقائق يتعلق بمؤتمر سان ريمو الذي عقد في إيطاليا على اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء وهزيمة الدولة العثمانية . وقد عقد هذا الاجتماع بالفترة من 19 الى25 من شهر نيسان عام 1920 بمشاركة عدد من الدول وهي المملكة المتحدة ومثلها رئيس وزرائها جورج لويد ، وفرنسا ومثلها رئيس وزرائها ألكسندر ميلران وإيطاليا ومثلها رئيس وزرائها فرانسيسكو ساڤريو نيتي بالإضافة الى ممثلين عن بلجيكا واليابان واليونان وبحضور وفد يهودي مكون من حاييم وايزمان وناحوم سوكولوڤ وهربرت صموئيل ،كما حضره وزير خارجية بريطانيا بلفور بالرغم من اعتراض فرنسا على دمج وعد بلفور في هذا المؤتمر وذلك لبحث شروط الحلفاء للصلح مع تركيا وتقاسم المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية بينها . وسوف اقصر حديثي عما تم الاتفاق عليه في هذا المؤتمر فيما يتعلق بمنطقة الهلال الخصيب حيث تمت عملية اعادة التقسيمات والانتدابات لهذه المنطقة حسب مصالح الحلفاء بحيث قسمت سورية الكبرى إلى اربعة أقسام وهي سورية ولبنان وفلسطين والأردن . وتم وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وفلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني بالإضافة للعراق مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور .
وقد اثارت هذه الاتفاقية مخاوف عشائر شرق الاردن من شمول مناطقهم في وعد بلفور وقد تحركت هذه العشائر في اتجاهين ، الاول لمساندة الأشقاء الفلسطينين في كفاحهم ضد سلطات الانتداب والمخططات الصهيونية وبنفس الوقت حماية مناطقهم من الأطماع الصهيونية . ولذلك وفي 2 / 9 / 1920 اجتمع رؤساء القبائل الاردنية في منطقة ام قيس مع بعض الضباط البريطانيين وقدموا لهم مذكرة خطية بمطالبهم واهمها إقامة حكومة وطنية تضم لوائي الكرك والسلط وقضائي جرش وعجلون ومجمل اراضي المملكة الاردنية الحالية . وان يترأس هذه الحكومة امير عربي وان لا تكون لها علاقة بحكومة فلسطين البريطانية وان يتم منع الهجرة اليهودية إلى أراضيها وان
يتم منع بيع أراضيها لليهود . وان يكون لها جيش وطني تدعمه بريطانيا بالسلاح وان يكون لها تمثيل خارجي كامل كدولة مستقلة .
وعلى اثر ذلك وعدت الإدارة البريطانية الأهالي بإدارة محلية منفصلة عن فلسطين وغير مشمولة بوعد بلفور وإمكانية تعين احد ابناء الشريف الحسين بن على حاكماً على هذه المنطقة . وعلى اثر ذلك خاطب زعماء الاردن الشريف الحسين بن على لإرسال ابنه الأمير عبدالله الى الاردن والذي وصل إلى معان بتاريخ 21 / 11 / 1920 حيث استقبله شيوخ وزعماء العشائر الاردنية وقاموا بمبايعته كزعيم وأمير لشرق الاردن . وعندما استقر له المقام في الاردن أخذ يطالب بأن يتم اعلان استقلال فلسطين والأردن تحت إمارته . وعلى اثر ذلك عقدت اجتماعات في القدس مابين الأمير عبدالله بن الحسين و وزير المستعمرات البريطاني في ذلك الوقت ونستون تشيرشل وبحضور المندوب السامي البريطاني في فلسطين الصهيوني هيربرت صموئيل وذلك في الفترة من 28 إلى 30 من آذار عام 1921 وأسفرت هذه الاجتماعات عن الاتفاق على تأسيس أمارة شرق الاردن وان يكون عبدالله بن الحسين أميراً عليها وان يتم تشكل حكومة وطنية لهذه الإمارة ، وان تكون هذه الحكومة مستقلة استقلالاً تاما ، وان تساعد بريطانيا هذه الحكومة مالياً لتشكيل قوة عسكرية غايتها حفظ الأمن في المنطقة ، وان تسترشد هذه الحكومة برأي مندوب بريطاني مقيم في عمان وبذلك تكون الحكومة البريطانية قد وافقت على الفصل التام ما بين فلسطين وشرقي الاردن وذلك بعد ان كانت الحكومة البريطانية قد استثنت شرقي الاْردن من وعد بلفور سابقاً . وقد حاولت الوكالة اليهودية بالتعاون مع المندوب السامي البريطاني في فلسطين الصهيوني هيربرت صموئيل الضغط على الحكومة البريطانية للتراجع عن هذا الاتفاق وان يشمل وعد بلفور شرقي الاردن على أساس انه وفلسطين قد تم اخضاعهما لإدارة بريطانية مشتركة من خلال مؤتمر سان ريمو ، ولكن الإدارة البريطانية رفضت ذلك وأصرت على تنفيذ اتفاقها مع الأمير عبد الله .
وهكذا تأسست إمارة شرق الاْردن وشكلت اول حكومة أردنية بعد عودة الأمير عبدالله من القدس وذلك بتاريخ 11 / 4 / 1921 برآسة السياسي اللبناني الدرزي الأصل رشيد طليع .
وفي تاريخ 15 / 5 / 1923 أقيم حفل رسمي للاحتفال بمناسبة بدء عهد إمارة شرقي الاردن وإعلان الاستقلال الذي اطلق عليه فيما بعد الاستقلال الأول ،شارك فيه رجالات من الاردن وفلسطين وشارك فيه السير هيربرت صموئيل والجنرال كلايتون عن الحكومة البريطانية .
وسادس هذه الحقائق نعود بها إلى تقرير لجنة بيل والتي تحدثنا عنها والتي تضمنت فصلاً عن شرق الاردن وهو الحادي عشر ونصه ( ان مواد صك الانتداب المتعلق بالوطن القومي لليهود لا تسري على شرق الاردن واحتمال توسيع الوطن القومي عن طريق هجرة اليهود الى شرق الاردن يتوقف على افتراض وجود الوفاق بين اليهود والعرب على ذلك ، غير ان مقاومة العرب للهجرة اليهودية ليست اقل شدة في شرق الاردن منها في فلسطين ولا يسع حكومة شرق الاردن الا ان ترفض تشجيع الهجرة اليهودية إزاء المقاومة الشعبية التي تجابه تلك الهجرة )
وهذه الفقرة من تقرير لجنة بل تثبت ان شرقي الاردن كان خارج وعد بلفور منذ البداية .
وسابع هذه الحقائق تعود إلى تاريخ 2 / 2 / 1946 حين سافر الأمير عبد الله إلى بريطانيا وكان يرافقه رئيس الوزراء ابراهيم هاشم لإجراء مباحثات مع الحكومة البريطانية من اجل حصول الاردن على الاستقلال التام وانتهت هذه المباحثات بتاريخ 22 / 3 / 1946 بتوقيع الطرفين على معاهدة الصداقة الاردنية البريطانية والتي وقعها عن الاردن رئيس الوزراء ابراهيم هاشم . واعلنت الحكومة البريطانية انتهاء الانتداب وتم الإعلان عن قيام المملكة الاردنية الهاشمية كدولة مستقلة ذات سياده . ( وان تضمنت المعاهدة في حينها بعض القيود المجحفة على الاْردن وخاصة في النواحي العسكرية ) . وبتاريخ 25 /5 / 1946 وافقت الأمم المتحدة على الاعتراف بالأردن كدولة مستقلة ذات سيادة وأعلن البرلمان الأردني عبدالله الأول ملكاً عليها ، وتم تعديل القانون الأساسي ( الدستور ) بما يتناسب مع ذلك .
وثامن هذه الحقائق تعود إلى عام 1950 حيث تم تحقيق الوحدة ما بين الضفة الغربية ومملكة الاْردن تحت اسم المملكة الاردنية الهاشمية وتم منح الجنسية الاردنية لسكان الضفة الغربية وقد اعترفت المملكة المتحدة والولايات المتحدة الاميركية بهذا الضم . وبتاريخ 28 / 2 / 1956 أعلن جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال تعريب الجيش العربي وطرد الضباط الإنكليز منه وكان هذا الإجراء مقدمة لالغاء معاهدة عام 1946 والذي تم بتاريخ 29 / 10 / 1956 وفي عهد حكومة سليمان النابلسي .
هذه هي الحقائق التاريخية والاتفاقات الدولية والتي لا يشير احدها على ان الأراضي الاردنية مشمولة بوعد بلفور وحتى انها لا تشير إلى ان وعد بلفور يشمل كل الاراضي الفلسطينية وان هذه الفكرة لا توجد الا في ذهن أهداف الحركة الصهيونية المتطرفة وفي ذهن بعض المعلقين والمغردين الأردنيين الذين تعرضت لهم في بداية مقالتي والتي ويا للمصادفة لا تنطلق تعليقاتهم وتغريداتهم هذه الا في الوقت التي تشتد بها الحملات الصهيونية على الاردن وفي الوقت الذي ينشط فيه المتطرفين الصهاينة برفع شعاراتهم وخرائطهم لما يدعون انه وطنهم الذي يشمل كامل اراضي الاردن وفلسطين وفي وسطهما بندقية مما يشير إلى ان هذا الأمر سيتم تطبيقه بالقوة العسكرية . ولا تظهر الا في الأوقات التي يعلن فيها الاردن عن عن ثوابته بالنسبة لهذا الموضوع ورفضه وتصديه للاطماع والمخططات الصهيونية ، وفي الوقت الذي يشن غلاة الصهاينة أمثال أيلي كوهين هجماتهم على جلالة الملك عبد الله ابن الحسين نتيجة مواقفه هذه . وبنفس الوقت فأن هذه الأقلام تبشرنا بربيع اردني جديد قادم بعد فشل ربيعهم السابق واندحاره ولكن يبدوا ان ربيعهم هذا سيكون في انفاس صهيونية .