في "وطن على وتر" لا تجد أمامك وطنا ًاو وتراً
جهينة نيوز -قبل عشرة أعوام، نجح الفنان عماد الفراجين، بجذب المشاهد العربي، إلى شاشة التلفزيون الفلسطيني، فيما هو يقدم برنامجا لصيقاً بالهم الفلسطيني خاصة، والعربي عامة، ليتابعه الملايين من المشاهدين العرب على الفضائية الفلسطينية، بل وأعاد وهج فلسطين والقضية في حلقات برنامجه "وطن على وتر" الذي تسلّح فيه آنذاك بالنص المحكم، والأداء المتمكن لفريق العمل، الذي أطاح به فراجين عند أول عثرة صادفها برنامجه.
النجاح الذي حققه فراجين في برنامجه على أرض الحشد والرباط فلسطين، أعمى ابصاره على ما يبدو، فكان اول ما قام به بالتخلي عن شريكه الرئيس بالعمل الفنان المبدع خالد المصو، صاحب الموهبة الحقيقية والإطلالة الإبداعية الذكية، وتخلى فراجين أيضا عن أبطال الكواليس من كاتب ومخرج ..
نتفق أن ثمة ضحكة مدوية أحدثها "وطن على وتر" في بداياته، رعم ملامسته وجع الوجدان، ونتفق ايضا بتنوع الموضوعات التي تناولتها حلقات البرنامج، وقد توزعت حوارات حلقات البرنامج بين الثلاثي عماد فراجين والفنانة المتفردة منال عوض وخالد مصّو، قبل أن يطغى مسار التسييس على فكرة الفن، ويحدث الإشتباك غير المتوقع بوقف العمل من قبل الادعاء العام الفلسطيني، بسبب ما احتوته بعض الحلقات من مساس بالمجتمع الفلسطيني الى حد اغتيال الشخصية.
ربما أسهم مصير البرنامج بوقفه في وطنه الأم، صدمة قوية لدى الفراجين، وذهبت به الى ما ذهب اليه من تسفيه الفكرة، وضحالة المحتوى، ليقدم برنامجه في الأردن، ليس استكمالا لحجم القوة والطرح الذي بدأ فيه البرنامج، بل ليقدم لنا عملا بذات الإسم ، لكن بمضمون مسخ، حقيقةً نحزن لأجله .
في "وطن على وتر" لا تجد أمامك وطنا او وترا، حوارٌ ضحل، وطرح ركيك، حبكة درامية كوميدية غائبة، فالأهم بمنظور الفراجين وشريكه الجديد بالعمل محمد الطيطي والذي تلّبس شخصية "عليوة" التي قدمها الفنان الأردني الفذ ربيع شهاب، تقديم الحركات البهلوانية مع مثيلها من العبارات المكررة، والجمل التي تخدش السمع قبل خدشها الحياء العام.
هل يحتاج الأردنيون لمن يقودهم حقيقة الى عالم سفلي في أدنى درجات السلم الاجتماعي، فيما الممثل الرئيسي في البرنامج يقدم وجبة دسمة تقشعر لها الابدان من البذاءات والمفردات النابية، وهل حقا يحتاج الاردنيون لساعة كوميديا فيها من السوقية ما تربئ به انفسهم، وتقلب أمعائهم ؟؟
فتحت احد الدكاكين الاعلامية ذراعيها لاستقبال الفنان الفراجين، ليُمتع متابعيه الذين اعتادوه مطلع تجربته، لكنه فاجأ الجميع ليقدم إسفافا لا فنا، تهريجاً وليس فناً كوميدياً، بل راح إلى أبعد من ذلك بدخوله أكثر من مرة إلى دهاليز المحظور، ليس إبداعا، وإنما في سياق السقطات والزلات التي تحفل بها حلقات برنامجه، التي قدمت لنا شخصيات مضطربة وحوارات عشوائية، وأفكاراً اعتباطية .
وعلى ما يبدو أيضا، لتضيف الى سجل ادائها المزيد من الكبوات، سيما ونحن نتحدث عن ما تسمى (قناة) سبق لها تقديم برامج تخللتها محظورات رفضها الشارع الأردني بجميع اشكاله وثقافاته، وكان عليها أن ترقب المشهد عن كثب.
المتابع لبرنامج الفراجين، يجد ابتذالا في الحوار الذي تتخلله مفردات بدأت حقيقة بالتلاشي على أرض الواقع، ليُعيد الفراجين انتاجها بقالب تهريجي
يؤسس لثقافة سلوكية قميئة، تجهد المجتمعات لمحاربتها ونبذها .
لا احد يستطيع التكهن بما يفكر به فراجين ليقدم للأردنيين عملا يُقال انه كوميدي، الا أنه في حقيقة مضمونه لا يبتعد عن الأفكار السطحية والطرائف السمجة، بل اعتمدت غالبية حلقاته على نكات مُستهلكة، شرب عليها الدهر، وتبعث على الاشمئزاز لا الفكاهة والضحك.
ما الذي يريده الفراجين بعد ان عايش فشل برنامجه في مسقط رأسه بالتلفزيون الفلسطيني، ليواصل بثه عبر شاشة تلك الشركة وعن سبق إصرار وترصد لترويج الاسفاف والاستخفاف، ما دفع هيئة الإعلام إلى توجيه إنذار خطي للقناة بسبب تكرار عرض الألفاظ "السيئة" ، اإلا أن الفراجين ظل قابضا على وتره المشدود بكثير من التحدي الذي يصل حد السفور كما مضامين حلقات برنامجه.
سقطات وتر الفراجين، والتي وضعته بمواقف كان يجب عليه ازاءها التوقف لوهلة للنظر مليا بما يقدمه من مهزلة فنية، يبدو انها مرت دون أدنى اهتمام، في مؤشر يؤكد أننا أمام شخصية اعتباطية لا عفوية، بيد ما تسببت فيه بعض حلقات برنامجه للمساءلة القانونية، فجميعنا نذكر تلك الحلقة التي نالت من رموز الاردنيين والتي اساء فيها الى قواتنا المسلحة، وما تبعها من سقطة أخرى بإساءته لأعرق وأقوى الأندية الرياضية، لكن الفراجين وعلى ما يبدو استسهل نهج الاعتذار عوضا عن سلوك نهج الفن الهادف، لا فن الزقاق والحارات الضيقة لمراهقين لم يعوا ابجديات التعاطي الإنساني.
لا يحتاج الأردنيون يا صاحب الوتر المقطوع لمعزوفات كيل السباب والشتائم .. لا يحتاج الأردنيون لتلميحاتك وايحائاتك "الجنسية" فالفن الكوميدي منها براء.. فهل يعقل ان يقوم عمل فني على الارتجال بالاستعانة بحضيض المفردات.. وهل يعقل أن لا تخلو حلقة واحدة من سلسلة حلقات البرنامج من سيل الألفاظ النابية وكأنها قاموس حياة ؟ اين الفكرة والهدف والحوار والحبكة .. بل أين الضحك من الاشمئزاز.. وإين الفنان من البهلوان..
فإن كان الفراجين لا يمتلك القدرات الأدائية والحوارات الكوميدية في قالبها الفعلي، ولا يمتلك الكتابة الإبداعية للأعمال الكوميدية المقنعة والمؤثرة، ويغرف من موروث النكات البالية ليقدمها لنا كفن ابداعي، فنحن إذاَ أمام مهرج واعد مكانه الحقيقي حلبة سيرك وقردة يبادلهم لغو الكلام وبهرجة الأفعال