الاقتصاديات العربية وجائحة كورونا
جهينة نيوز -الاقتصاديات العربية وجائحة كورونا
عدنان أحمد يوسف
رئيس جمعية مصارف البحرين
الرئيس التنفيذي – مجموعة البركة المصرفية
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
يتوقع صندوق النقد الدولي أن الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا سوف يكون بالغا على الاقتصاديات العربية، حيث يتوقع أن تسجل المنطقة انكماشا في 2020 بمتوسط قدره 3.1%ن وربما يصل إلى 4% في معظم بلدان المنطقة، وهو ما يعادل استبعاد 425 مليار دولار من الناتج الكلي للمنطقة. كما سوف تتعرض الأرصدة الخارجية وأرصدة المالية العامة للضغوط الشديدة، وخاصة الدول المصدرة للنفط، ليس بسبب جائحة كورونا فحسب، بل أيضا بسبب انخفاض الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط، حيث يتوقع تراجع الصادرات النفطية بأكثر من 250 مليار دولار في أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتحول أرصدة المالية العامة إلى السالب، متجاوزة 10% من إجمالي الناتج المحلي في معظم البلدان. أما البلدان المستوردة للنفط فسوف تتأثر سلبا بالتراجع الكبير في تحويلات العاملين في الخارج وتدفقات الاستثمارات ورؤوس الأموال من البلدان المصدرة للنفط. ومع التدهور في عجز المالية العامة بهذه البلدان- من جراء أثر انخفاض النمو على الإيرادات الضريبية وارتفاع الإنفاق - فمن المتوقع ارتفاع مستوى الدين العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى قرابة 95% من إجمالي الناتج المحلي.
وعلى خلاف الصدمات الأخرى على مر التاريخ والتي كانت تؤثر على أحد جانبي الاقتصاد الكلي (العرض أو الطلب)، يتبين أن فيروس كورونا قد أثر بصورة مباشرة على جانبي الطلب والعرض معاً، الأمر الذي تطلب استجابة واسعة على صعيد السياسات النقدية والمالية لدعم الطلب وتوفير التمويل اللازم للقطاعات المختلفة والأكثر تضرراً من تفشي فيروس كورونا. لذلك، لاحظنا الاستجابة المالية الفورية للحكومات العربية من خلال تعزيز الانفاق على قطاع الخدمات الصحية، ورعاية المرضى، والحد من انتشار الفيروس. حيث أعلنت الحكومات العربية في هذا الصدد، سياسات وإجراءات مشددة في مواجهة فيروس كورونا والحد من انتشاره مثل فرض حظر التجوال في بعض الدول، وإغلاق الأماكن الترفيهية ودور العبادة، فضلاً عن العمل عن بعد في الدوائر الحكومية.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد جاءت السياسات التي أطلقتها الدول العربية تحفيزية من خلال حزم الدعم المالي لهذه الدول عن طريق مصارفها المركزية أو من خلال إنشاء صناديق تمويلية وحسابات لهذا الغرض بمشاركة مجموعة من المصارف التجارية. كما تم تعزيز هذه الخطوة من خلال خفض أسعار الفائدة التي أعلنتها المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. كما استفادت المصارف المركزية من أدواتها النقدية حيث لجأ بعضها إلى برامج التيسير الكمي عبر توظيف عمليات السوق المفتوحة بشراء السندات الحكومية من المصارف التجارية والقطاع الخاص، بالإضافة إلى تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي القانوني بما يعزز من قدرتها على زيادة حجم التمويل المصرفي للقطاع الخاص ومنح تسهيلات مصرفية لعملائها مع التركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
لكن يبقى السؤال القائم لدى الكثيرين: ما هو شكل الاقتصاديات العربية، بل الاقتصاديات العالمية بعد أزمة كورونا، وهل ستبقي على حالها أم ستشهد تغييرات جذرية.
نشرت مجلة "فورين بوليسي" دراسة حول "تضاريس الاقتصاد العالمي" بعد أزمة كورونا، كان من اللافت للنظر توقعها بأن هذه الأزمة سوف تسرّع عملية إزالة العولمة، وإلغاء التقارب، وإعادة تعريف الإنتاج والاستهلاك في جميع أنحاء العالم.
وبالنسبة لنا نحن الذي دوما ما دعونا لربط توظيف الأموال بخدمة الاقتصاد الحقيقي للمجتمعات، لم نفاجئ بأنهعلى رأس توقعات المجلة بأن أزمة وباء كورونا سوف تفرض على العالم العمل على رد الاعتبار إلى الإنتاج الوطني في مقابل الأنماط السائدة عالمياً، بل إعادة الاعتبار للإنتاج نفسه على حساب التداول الرقمي المنفصل عن الإنتاج. لقد باتت الشعوب تتطلع إلى حكوماتها ليس لإنقاذها في أوقات الأزمات الشديدة، بل بالتأكيد سوف تطالبها بتوفير ضمانات لعدم تكرار مثل هذه الأزمات، وحتى في حال تكرارها، فأنه يتوجب عليها أن تكون في وضع أفضل لمواجهتها ليس صحيا وطبيا فحسب، بل في كيفية حماية الفئات الضعيفة اجتماعيا، وحماية عجلة الإنتاج ودوران الاقتصاد، حيث بات من الواضح أن كافة الدول تسعى لحماية الأرواح لكن مع بقاء الاقتصاد يتنفس، لأن ذلك جزء من حماية الأرواح أيضا.
إن جانب من الدروس الرئيسية للأزمة هو أن الدولة مهما سعت لتقليص وظائفها بحجة إفساح المجال للقطاع الخاص للعب دور أكبر في الاقتصاد، فأنها يجب عليها أن تضمن وجود شبكة صحية ورعاية اجتماعية قوية، وان تكون قادرة في اوقات الأزمات ممارسة دور رئيسي في حماية المجتمع، وأن تشجع كذلك القطاع الخاص بما في ذلك المؤسسات المالية على توجيه الأموال نحو الاقتصاد المنتج الحقيقي.