هكذا يفكر العقل الإسرائيلي!!
جهينة نيوز -ما يميز المجتمع الإسرائيلي عن مجتمعاتنا أنه مجتمع حيوي للغاية رغم التناقضات الكبيرة التي بدأت تدب في أوساطه والصراع على هوية الدولة، وهل هي علمانية أم دينية. وعندما نصف المجتمع الإسرائيلي بأنه حيوي أقصد هنا بصورة خاصة حيويته في مناقشة التحديات التي تواجهه سواء الداخلية منها أو الخارجية، فمراكز البحث التابعة للجامعات أو الملتصقة بالأجهزة الأمنية والعسكرية تواصل عملها على مدار العام وتقدم لصانع القرار رؤية واضحة عما هو موجود في الواقع، وتحدد له بدقة وموضوعية الخيارات التي يمكن اللجوء إليها أو استخدامها.
ومن بين مراكز البحث المهمة معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الذي عقد نهاية الشهر الماضي مؤتمره السنوي الحادي عشر بمناسبة مرور سبعين عاماً على تأسيس إسرائيل بمشاركة سياسيين، وعسكريين، وإعلاميين، وخبراء، من المجتمع السياسي- الأمني، من إسرائيل والعالم وبينهم ضيوف من العالم العربي.
لقد خلص المؤتمر الذي عقد على مدى يومين إلى نتيجة في غاية الأهمية ألا وهي أن 'الميزان الاستراتيجي العام لإسرائيل إيجابي، وهي تُعتبر قوة إقليمية عظمى مع قدرات عسكرية تفوق قدرات خصومها وأعدائها'. ومع ذلك، فإن رئيس الأركان الإسرائيلي غادي أيزنكوت شدد خلال المؤتمر على أن 'هوامش أمن' إسرائيل ضيقة.
شخّص المؤتمر إيران باعتبارها الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل، وخلال مداخلات العديد من المشاركين جرى الحديث عن تشعبات للخطر الإيراني، منها الخطر الناتج عن تطوير صواريخ بعيدة المدى تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل، ومنها الخطر الناتج عن الوجود العسكري والأمني في سوريا وما يشكله هذا الوجود على المدى البعيد من خطر دائم على الجبهة الشمالية الإسرائيلية بعد أن أصبحت الجبهة اللبنانية والجبهة السورية من الناحية العملية جبهة واحدة في مواجهة إسرائيل. ودار جدل حول أفضل السبل الاحترازية لمواجهة هذا الخطر في سوريا ولبنان.
ففي الوقت الذي اعتبر البعض أن تمتين الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتقوية قدرتها على تحمُّل الضربات، واستمرارية أداء أجهزة الدولة الحيوية أحد الخيارات في تلك المواجهة، اختلف المشاركون الأمريكيون في المؤتمر بشأن الخيار الآخر ألا وهو 'دعم الدولة اللبنانية والجيش اللبناني'، فقد دافع السفير ديفيد ساترفيلد المسؤول عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية عن هذا الخيار واعتبره خياراً استراتيجياً يُحجم قوة ونفوذ حزب الله وإيران في لبنان على المدى البعيد، غير أن السفير نيثان سالاس، المسؤول عن محاربة الإرهاب في وزارة الخارجية اعتبر الجيش اللبناني أداة في يد حزب الله، لذا لا فائدة من تقويته.
وبخصوص الخطر النووي الإيراني رفض عدد من المشاركين فكرة إلغاء الاتفاق وبرروا ذلك بأنه وعلى الرغم من سيئات الاتفاق، فإن إسرائيل لن تستفيد من إلغائه في هذه المرحلة وأن الخروج من الاتفاق يمكن أن يعيد إيران إلى تطوير سريع لقدراتها النووية، وأن يولّد أيضاً ردة فعل إقليمية واسعة، إلى حد الوصول إلى سيناريو مواجهة شاملة بين إسرائيل وحزب الله.
في مقابل الخطر الإيراني وحزب الله لم يشخص المؤتمرون القضية الفلسطينية باعتبارها قضية ملحة وتشكل خطراً على أمن إسرائيل بل جرى تجاهل البعض لها، وفي سياق مناقشتها جرى طرح عدة نقاط مثيرة:
أولاً: قال ممثلو الحكومة الإسرائيلية في المؤتمر إنه لا فائدة من بذل الجهد في اتجاه إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وذلك لسببين، الأول غياب مشروع محدد يمكن البناء عليه، والثاني أن الرئيس عباس ضعيف للغاية وبالتالي لم يعد هناك شريك في العملية.
ثانياً: اعتبر ممثلو الحكومة الإسرائيلية أن البديل الأفضل للسلام مع الفلسطينيين هو بناء سلام إقليمي مع الدول العربية السنية والمعتدلة، والذي سيشكل عامل ضغط كبير على الفلسطينيين للقبول بما هو مطروح على طاولة المفاوضات 'صفقة القرن'.
ثالثاً: عارض بعض الحضور من غير الإسرائليين فكرة إمكانية قبول العرب لسلام مع إسرائيل بمعزل عن حل القضية الفلسطينية أو قبول الفلسطينيين لهذا السلام أو التطبيع، كما برزت أصوات داخل المؤتمر تعتبر القضية الفلسطينية هي التحدي الأبرز لإسرائيل، وأن الانفصال عن الفلسطينيين هو أمر حتمي وإلا فإن إسرائيل ستصبح دولة ثنائية القومية وتفقد هويتها اليهودية التي تعمل على ترسيخها كما سيقوض ما أسموه أسس إسرائيل الديمقراطية والأخلاقية والأمنية.
رابعاً: جرى نقاش لواقع قطاع غزة والحصار الذي يعيشه باعتباره هو الآخر أحد التحديات، واعتبر معظم المشاركين أن القطاع بواقعه الحالي يشكل خطراً على إسرائيل لان ما يعيشه من حصار وظروف صعبة يدفع حماس وغيرها من الفصائل إلى مواجهة مع إسرائيل.
نلاحظ أنه في هذا المؤتمر 'الحادي عشر' لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي غياب ملفت لموضوعين كانا يحظيان باهتمام بالغ في السنوات الماضية ألا وهما، موضوع الإرهاب كتحدّ أمني بارز وتحديداً ما كان يطلق عليه المعهد الإرهاب الإسلامي، أما الموضوع الثاني فهو العلاقة مع الولايات المتحدة التي حظيت باهتمام واسع خلال ولايتي حكم الرئيس أوباما بسبب ترديها وتدهورها بحكم الخلاف بين نتانياهو واوباما .
24: