الانقراض الجماعي الرابع للحياة على الأرض!
جهينة نيوز -
د.أيوب أبودية
تحدثنا في مقالات سابقة عن الانقراض الأول والثانيوالثالث الذي تعرضت له الحياه على كوكب الأرض. حدث الانقراض الأول قبل نحو 443 مليون سنة وأثر على الحياة البحرية بشكل كبير بفعل انخفاض درجة الحرارة واتجاه المناخ العالمي نحو البرودة، فتضررت النظم البيئية بمجملها. فيما حدث الانقراض الجماعي الثاني في تاريخ الأرض، والمعروف باسم الانقراض الديفوني المتأخر، منذ نحو 375 مليون سنة. أما الانقراض الجماعي الثالث في تاريخ الأرض، والمعروف باسم انقراض العصر البرمي الثلاثي الترياسي، والمعروف بعصر الموت العظيم، فحدث منذ ما يقرب من 252 مليون سنة، وقضى على 96% من الأنواع البحرية ونحو 70% من أنواع الفقاريات الأرضية، مما يجعله أفظع انقراض في تاريخ الأرض. إذ يوفر استكشاف تبعات انقراض الحياة على الأرض رؤى مهمة ودروسًا قيمة تتناسب مع التحديات التي يواجهها عالمنا المعاصر بفعل التغير المناخي، ومن هنا تنبع أهمية الحديث عنها.
كان الانقراض الجماعي الرابع في تاريخ الأرض، والمعروف باسم انقراض العصر الترياسي والجوراسي، بمثابة نقطة تحول مهمة في تطور الحياة منذ نحو 201 مليون سنة. ورغم أن هذا الحدث لم يكن مدمرًا مثل انقراض العصر البرمي الثلاثي الترياسي، إلا أنه كان له آثار عميقة على النظم البيئية الأرضية والبحرية، مما أعاد تشكيل مسار الحياة على كوكبنا. ويكشف الخوض في الانقراض الرابعوتبعاته عن دروس قيمة تتناسب مع التحديات التي تواجهها البشرية اليوم.
و يُعتقد أن انقراض العصر الترياسي والجوراسي قد نتج عن مزيج من النشاط البركاني وتغير المناخ وتأثيرات الكويكبات المحتملة. إذ أطلقت انفجارات بركانية هائلةكميات كبيرة من الغازات الدفيئة، مما أدى إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة حمضية مياه المحيطات أدتإلى انقراض الكثير من أنواع الحياة البحرية، مما تسبب في انخفاض أعداد الزواحف البحرية والأمونيتات ومجموعات معينة من العوالق البحرية. كما ساهمت التغيرات في مستوى سطح البحر وتقلبات درجات الحرارة في اختلال النظم الإيكولوجية البحرية بمجملها.
أما على سطح الأرض اليابسة، فكان من نتيجة الانقراض انخفاضًا كبيرا في أنواع مختلفة من الزواحف والبرمائيات، وبالتالي مهد هذا الحدث الطريق لهيمنة الديناصورات على وجه البسيطة، وشهد ظهور النظم البيئية الأرضية الجديدةالتي ناسبت نمو الزواحف العملاقة وتكاثرها.
أما الدروس المستفادة من هذا الانقراض الرابع فتشملتعرفنا إلى مدى حساسية البيئة للتغيرات المناخية، مهما كانت ضئيلة وثانوية، حيث يؤكد انقراض العصر الترياسي والجوراسي على حساسية المادة الحية للتغيرات البيئية. إذ اتضح أنه يمكن أن يكون للتحولات الطفيفة في الظروف المناخية ودرجة حرارة الغلاف الجوي عواقب بعيدة المدى، مما يؤثر على الأنواع الحية والنظم البيئية المتنوعة.
ولكن في الوقت نفسه، أظهرت الأنواع والفصائل الحية التي نجت، رغم تغيرات هذا الانقراض البيئية، القدرة على التكيف والمرونة التطورية. إذ لعبت القدرة على التكيف مع البيئات المتغيرة والمرونة في استغلال المنافذ البيئية الجديدةوبدائلها دورًا حاسمًا في تشكيل عالم ما بعد الانقراضالرابع.
وعلى غرار الانقراضات الجماعية السابقة، أظهرت كارثةالعصر الترياسي والجوراسي خلال الانقراض الرابعالترابط بين الأنواع والفصائل الحية داخل النظم البيئية. إذ أدى اختفاء مجموعات معينة من الكائنات الحية إلى حدوث تأثيرات متتالية، مما أثر على تركيبات ووظائف النظم البيئية بأكملها. فقد وفر الانقراض فرصًا تطورية للأنواع الباقية، مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الحياة. وهذا يسلط الضوء على الطبيعة الدينامية للتطور وإمكانية انتعاش الحياة وتنوعها في أعقاب الأحداث الكارثية.
إن فهم انقراض العصر الترياسي والجوراسي الرابعضمن سياقه الجيولوجي يؤكد أهمية النظر في عملياتالمرونة والتكيف طويلة المدى. إذ توفر المقاييس الزمنية الجيولوجية منظورًا حاسمًا لتفسير التحديات البيئية المعاصرة ومعالجتها. فكيف يمكن لنا تطبيق الدروس على الحاضر؟
يؤكد انقراض العصر الترياسي والجوراسي الرابع على أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي. إذ إن حماية مجموعة واسعة من الأنواع تضمن مرونة النظم الإيكولوجية وقدرتها على التكيف مع الظروف المتغير والاستمرار في الحياة.
كذلك، فإن إدراك دور تغير المناخ في الانقراضات الماضية يؤكد الحاجة الملحة للتخفيف من آثار تغير المناخ المعاصروالتكيف معه. إذ تعد الممارسات والجهود المستدامةالمعاصرة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة أمرًا بالغ الأهمية لحماية النظم البيئية العالمية، ويعد البحث والرصد العلمي المستمر ضروريين لتحديد التهديدات الناشئة للتنوع البيولوجي. كما يتيح لنا البقاء يقظين اكتشاف العلامات المبكرة للإجهاد البيئي وبالتالي تنفيذ تدابير حماية فعالة.
وتتطلب معالجة التحديات البيئية المعقدة تعاونًا متعدد التخصصات. إذ يعد التعاون بين العلماء وصناع السياسات والمجتمعات المحلية أمرًا ضروريًا لتطوير استراتيجيات شاملة لمعالجة القضايا المترابطة التي تواجه كوكبنا. إن انقراض العصر الترياسي والجوراسي بمثابة فصل في تاريخ الأرض، حيث يوفر رؤى عميقة حول ديناميات الحياة ومرونة النظم البيئية. ومن خلال الاستفادة من الدروس المستفادة من هذا الحدث القديم، يمكننا أن نسعى جاهدين للتغلب على تحديات الحاضر وتمهيد الطريق نحو تعايش مستدام ومتناغم مع العالم الطبيعي.